17‏/11‏/2010

الأبجدية



الأبجدية

ربما كانت الأبجدية alphabet أعظم إنجاز حضاري عرفته البشرية في تاريخها القديم على صعيد الكتابة. ويُمثِّل هذا الإنجاز الحلقة الأخيرة لسلسلة من محاولات الكتابة التي بدأت بالتصويرية، أي برسم رموز ماديّة مرئيّة تمثل المسمّيات أو الأحداث والتصوّرات، على ما انتهى إليه الباحثون في آثار بلاد الرافدين ومصر. تَلَت ذلك مرحلة الكتابة المقطعية التي تقوم فيها علامات بأعيانها مقام مقاطع، أو تُقْصَر قِيَمُها برموزها الصوتية على الحرف الأول acrophony، وكان هذا النظام معقداً غامضاً، بيد أنه كان تمهيداً لنشأة الأبجدية.

ومن الحقائق المتَّفق عليها بين الباحثين من اللغويين أن مهد الأبجدية هو المنطقة السوريّة الفلسطينية التي كانت التوراة تسميّها: أرض كنعان. وقد شاعت تسمية «كنعاني» بين الباحثين مدلولاً على مجمل العناصر اللغوية التي لاتنتمي إلى الآرامية في هذه المنطقة.

وبعض الباحثين المحدثين يَرْتَئي التسمية الفينيقية بديلاً من الكنعانيّة، ذلك أنّ الليديين والإيونيين يزعمون أنّ الحروف فينيقية نسبة إلى مخترعها فوانكس Phoinix ابن أجينور.

وليس عَزْوُ اختراع الأبجدية إلى الكنعانيين أو الفينيقيين موضع إجماع، إذ يرى بعض الباحثين - كشامبليون مثلاً - أن هذه الأبجدية قد اشتُقَّت من الكتابة المصريّة الهيراطيقية، اعتماداً على ما لاحظه من وجود علامات لها قيمة هجائية في الكتابة المصرية عندما عكف على تحليل الرموز الكتابية لحجر رشيد. ويرى بعض الباحثين السريان أنّ أصل هذه الأبجدية من اختراع الآراميين، وهو رأي غير دقيق لأنّ الكنعانيين أقدم وجوداً من الآراميين في هذه المنطقة من الساحل السوري الفلسطيني المسمّاة «فينيقية» أو أرض كنعان، و«أقدم الوثائق الأبجدية التي كُشفت في فينيقية هي وثائق أوغاريت المسماريّة الطابع». وثمّة رأي يذهب إلى أنّ الإيجيين في جزيرة كريت هم الذين اخترعوا الأبجدية، ثم أخذها الفينيقيون عنهم، ورأي يعزو نشأتها إلى السبئيين في اليمن. أما الرأي المرجح السائد في أوساط علماء اللغة المحدثين فهو أنّ اختراع الأبجدية إنجاز فينيقي كنعاني تمَّ بين القرنين السابع عشر والخامس عشر قبل الميلاد.

وعدد حروف هذه الأبجديّة اثنان وعشرون حرفاً هي: (أُوْلَف، بِتْ، كُوْمَلْ، دُوْلَذْ، هِيْ، واو، زاي، حِيْث، طِيْث، يُوْذ، كُوْف، لُوْمَذ، ميم، نون، سَمْكَث، عِيْ، فِيْ، صُوْدي، قُوْف، رِيْش، شين، تاو).

ورُكّب من هذه الحروف كلمات استغرقتها كلَّها هي: (أبجد، هوَّز، حطِّي، كَلَمُنْ، سعفص، قرشت). ويختلف مستخدموها من أوغاريتيين وآراميين وسُرْيان وعرب وعبريين في نطقها بعض الاختلاف، كما يختلفون في رسم أشكالها، ممّا جَعَلَ لها خطوطاً أو أقلاماً مختلفة بمرور الزمن، وبتوزّع مستخدميها في الأرض.

وقد أخذ اليونانيّون الأبجدية الكنعانية الفينيقيّة أساساً لحروفهم مع بعض التعديلات التي تتّفق وعاداتهم الصوتية،و عكسوا أسلوب الكتابة لتكون من اليسار إلى اليمين. وثمّة تشابه لايخفى في صور الحروف بين الأبجديتين اليونانية والفينيقية، وتقارب في النطق الصوتي للحروف، ففي اليونانية: (أَلْفا، بيتّا، غاما، ذيلتا، عوضاً، من: أُلَفْ، بِتْ، كُوْمَل، دُوُلَذ..)، وفيها تتوالى حروف (كَلَمُنْ) كما هي في الفينيقية، وما أُطلق عليه «حروف إضافيّة» في اليونانية زيد بعد حرف «التاء» آخر حروف «قرشت». ومن المتّفق عليه أنّ الأبجدية اليونانية قد أصبحت في وقت لاحقٍ أساساً أو مصدراً للكتابة اللاتينية التي اعتمدتها اللغات الأوربية، ولأن الحروف الهجائية لهذه اللغات تبتدئ بحرفين قريبي الشبه في لفظهما بالحرفين (أولف، بت) فقد أسماها أصحاب هذه اللغات: (الفابت alphabet)، ومن الأدلة على اقتباس اليونانيين الأبجديّة الفينيقيّة أيضاً اتّخاذهم الحروف الهجائية علامة للأعداد، فالحروف الهجائية للأبجدية الفينيقية يقابلها في حساب الجُمَّل أعداد هي وفق تسلسل الحروف الأبجدية من 1-400، وعلى النحو التالي.

أ=1، ب=2، ج=3، د=4، هـ=5، و=6، ز=7، ح=8، ط=9، ي=10، ك=20،
ل=30، م=40، ن=50، س=60، ع=70، ف=80، ص=90، ق=100، ك،ر=200،
ش=300، ت=400، وعلى هذه الصورة ذاتها اقتبسها اليونانيّون واعتمدوها.

وأخذ العبريّون هذه الأبجدية أيضاً فيما بعد، كما أخذها العرب عن الآراميين ومن جاء بعدهم من السُّريان والنَّبط، وزادوا عليها حروف: (الثاء، والخاء، والذال، والضاد، والظاء، والغين) المعجمات، وسمّوها الروادف. وهكذا أضاف العرب على مصطلح الأبجدية الفينيقيّة القديمة كلمتي (ثخذ، ضظغ) اللتين رُكِّبتا من الحروف الروادف. وقد اختلف الترتيب الأبجدي للحروف بين المشرق والمغرب عند العرب، فعلى حين كان عند المشارقة كما ذكرنا، كان عند المغاربة بزيادة حروف: (الثاء والخاء والذال والظاء والغين والضاد) التي تجمعها كلمتا «ثخذ، ظغض»، ومع الحروف الأبجديّة أخذ العرب ما يقابلها من الأعداد في حساب الجُمَّل بحيث روعي في تسلسل توالي الحروف إضافة مئة زيادة على كل حرف، فكان مقابل الحروف الروادف تباعاً:

ث=500، خ=600، ذ=700، ض=800، ظ=900، غ=1000، ومعظم المصادر العربية تنصّ على أن العرب أخذوا الخط عن أهل الأنبار قائسين هجاء العربية على هجاء السريانية. وأن من صنع ذلك نَفَرٌ من طيئّ وهم مرامر بن مرّة، وأسلم بن سدرة، وعامر بن جدرة، (ووردت هذه الأسماء مُصحَّفة برسوم أخرى أحياناً).

وقيل: وضع الخطّ قوم من طَسْم، أو من العرب العاربة وهم: (أبجد، وهوّز، وحطّي، وكلمن، وسَعْفص، وقرشت...)، ورُسمت هذه الأسماء أحياناً: (أبو جاد – أبجاد، هواز - هاوز، حاطي، كلمون - كلمان، صعفص، صاع فص، قريسات – قرست).

وهذا الخط أو الترتيب لحروف الكتابة هو الذي أُطلق عليه اسم الأبجدية، أما الألفابت، فهي التسمية الأوربيّة الحديثة للأبجدية نسبةً إلى منشئها اليوناني Alpha-Betta. ويطلق بعضهم على الحروف العربية بترتيبها المعروف (أ ب ت ث ج....إلخ) الحروف الألفبائية وتلك تسمية متأثرة بالمصطلح الأوربي، أما التسمية المشهورة عند العرب فهي حروف الهجاء[ر] والتهجي، أو حروف المعجم.

مراجع للاستزادة
- سبتينو موسكاتي، الحضارات السامية القديمة، ترجمة السيد يعقوب بكر(دار الرقي، بيروت 1986).

- حسن ظاظا، الساميّون ولغاتهم(دار المعارف، مصر 1971).

المصدر : الموسوعة العربية

ليست هناك تعليقات: