الخيول الاصيلة فى ليبيا
بقلم : ميكائيل
الحبوني
يقول علماء
الحيوان : أن الجياد الأولى تعود إلى حوالي 50 مليون سنه أي ما يعرف بالعصر
الأيوسيني . والظاهر أن الأجداد الأولى للخيل كانت تختلف كثيراً عما هي عليه الآن
. يقول علماء الجيولوجيا :
كانت الخيل الأولى
ذات قائمتين أماميتين في كل منهما أربع أصابع وقائمتين خلفيتين في كل منهما ثلاث
أصابع وكانت مقوسة الظهر وهي أعلى من مؤخرتها ، قصيرة من الأمام . وقد تطور شكلها
عبر ملايين السنيين إلى الشكل التي عليه اليوم وتحفظ لنا الحفريات الجيولوجية قصة تطور
الحصان بالتفصيل .
أما البدوي الليبي
الذي ورث تربية الخيول عن أجداده بالوراثة فأنه لا يعرف هذه القصة . وقد لا يصدق
أن الحصان كان حجمه كالماعز .
والتاريخ يحدثنا
عن الخيول الليبية وعراقتها . فقد غزى القائد القرطاجي هانيبال روما حيث صحت على
وقع أقدام سنابل خيله تحت أسوار مدينة التلال السبعة روما . وكانت هذه الفرق من
الخيالة الليبيين .
ففي سنة 218 ق . م
خرج هانيبال من قرطاجنه على رأس جيش قوامه 90 ألف من المشاة ، 12 ألف من الفرسان
و37 فيلاً وكان عمره آنذاك 27 عاماً . وقد عبر القائد الليبي جبال الألب وسجل له
التاريخ بأنه أول قائد ينفصل بجيش كامل عن وطنه .
حاصر روما ولم
يستطع احتلالها ، بعد أكثر من ألفي سنة يظهر الرومان مرة أخرى لكن هذه المرة تحت
أسوار مدينة بنغازي وطرابلس وكأن الثأر لا يزال يعشعش في عقيلة الرجل الأوربي .
ومرة أخرى يعود الحصان إلى مسرح التاريخ . البدوي الليبي على صهوة جواده يشعر بأنه
على أعلى قمة في العالم . تنادي الجميع ودب الخبر في نجوع البادية فالتمت آلاف
الخيول وآلاف الشباب وانتظموا للجهاد وكأن هانيبال قام في القوم ونادى . روما
تطاردكم ويركب عمر المختار صهوة فرسه البيضاء ويبدأ الكر والفر وتقتحم الخيول
الليبية معسكرات الطليان . خيلاً لم تكن للزينة ولا لسباق الحلبات والمضاربة ولا
للزينة والتباهي خيلاً أحبها الليبيون فتباهوا بركوبها وتفننوا في تأصيلها وصفوها
في شعرهم وذكروا دقائقها .
وفي هذا الوصف
الرائع للحصان كيف استطاع الشاعر أن يصفه وصفاً ربما فاق أمرؤ القيس الشاعر
الجاهلي في وصفه لحصانه فإذا كان أمرؤ القيس يقول :
له أيطلا ظبيٍّ
وساقـــا نعامـة - وإرخاء سرحان وتقريبُ تتفلِ
كأن على المتنين
منه إذا انتحى - مداك عروس أو صلاية حنظل
فأنا شاعراً
بدوياً هو المرحوم " خالد أرميلة الفاخري " يصف الحصان الذي يجب أن يدخل
به المعركة بهذا الوصف :
يجوها علي كل
مكروم – مع أمه أمكمل أسنانهْ
حولين ماهوش مفطوم
– آكبر آمعاه تغضيب جانهْ
له ثلاث خرفان
مجلوم – رباع عنصلة كشتوانهْ
يجالب كما موج
ديموم – مساره أوقات أضولانهْ
على صفحته دق
شيلوم – يشيل م الوطاه اخثقانهْ
لذيذ ف القدم حلو
مقيوم – شبعان م الذهب بالوزانهْ
غزير النصي كوت
مكعوم – متخايل نباتة أجنانهْ
بعيد م الوطا شبهة
الكوم – رفيع شوف ناقص اقيانهْ
خضر لون يزراق
بحموم – دخان نو ثابن غصانهْ
وع الشوكة بعد صار
مجموم – خماس قبل سن اقرحانهْ
ذراع نمر تلقاه
مرشوم – يبدل لبوسة ألوانه ...
القصيدة طويلة ولا
يتسع المجال لسردها كاملة ولا لشرحها أيضاً وقد أخذنا ماله علاقة بوصف الحصان .
وكعادة شعراء الجاهلية فإن الشاعر يذكر ذلك مقدمة لموضوعه الأصلي وهو التحريض
والاستعداد لاستعادة إبله المسروقة . وشاعرنا " أحمد أرميله " شاعر
وفارس ومجاهد شارك في الجهاد الليبي واعتقلته القوات الإيطالية أكثر من مره . مات
سنة 1938 ف . بمنطقة سلوق .
لقد أقسم الله
تعالى بالخيل في كثير من المواضيع القرآنية قالى تعالى [ والعاديات ضبحاً ]. صدقة
الله العظيم } سورة العاديات ، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (
الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة فإذا رأيتموها فامسحوا على وجوهها
وادعوا لها بالبركة ) .
وإذا كانت الخيل
تكتسب هذا التقدير الديني . فأن الإنسان الليبي قد حمل في نفسه عبر العصور نوعاً
من القدسية للخيل ويتضح ذلك جلياً في ثقافته الشعبية السائده في مجتمعه وفي موروثه
الثقافي ومن ذلك قولهم ( أكحيلا والفارس والخيل ، وزرع السيل ، بلاهن نوم العين
قليل ) وأكحيلا هي الإبل .
وينسب إلى غومة
المحمودي المتمرد على الحكم التركي أنه سئل عن صفات الجواد الأصيل فقال : تجتمع في
الجواد الأصيل صفات من حيوانات مختلفة ، ففيه من البقر والغزال والذئب والأرنب
والديك والزرافة والجمل ، ثم فصلها .
من الغزال دقة
ساقه وسرعة لحاقه ، ومن البقر قصرة القين وندرة العين ، ومن الأرنب قصر الظهر ورقة
الوبر ، ومن الذئب سرعة الحذر ولفت النظر ، ومن الديك رفعة الشوف وكثرة الخوف ،
ومن الزرافة طول أرقابهن قدام أركابهن ، ومن الجمل شدة أعزومه وينما أنلومه .
ويتضح من تلك
الأوصاف التي ساقها " غومه المحمودي " مدى معرفته الدقيقة بالخيول وهي
نتاج ثقافة مجتمع بأسره .
الخيول الليبية :
وجدت الخيول في ليبيا في وقت متأخر نسبياً . فقد ظهرت القبائل الليبية المجاورة
لمصر في القرنيين الثاني عشر والثالث عشر ق . م ، في عهد الفرعون " منفتاح
ورمسيس الثالث " ظهرت في النقوش الهيروغليفية مع خيولها ويقول " باتيس "
مهر الليبيون في تدريب الخيل حتى باتت تطيع أصحابها كل الطاعة وكانوا يركبونها دون
لجام ودون سروج .
ومن أشهر القبائل
التي تربي الخيول قبيلة ( الأسيوستاى ) في سهول الجبل الأخضر وتوصف بالعدو السريع
والقدرة على التحمل وتقول السيدة " جين هرسون " في كتابها عن الأساطير :
وجدت لوحة تبين أول استيراد للخيول في جزيرة كريت وعلى أفواه هذه الخيول لجم . وهي
عادة لم تكن معروفة عند الآسيويين ولا الأوروبيين بل كانت عند الليبيين فقط فهم
أول من أستعمل اللجم للخيل . ومن المعروف أن وفداً من مدينة شحات " قورينا
" قد توجه إلى بلاثونيوم مطروح حالياً ليقدم ولاءه وهداياه إلى الاسكندر
المقدوني في رحلته إلى معيد آموف في سيوه وكان من بين الهدايا ثلاثمائة جواد ليبي
أصيل .
وإذا كانت الخيول
تشكل هذا الإرث الكبير الممتد عبر أعماق التاريخ في نفسية الإنسان الليبي فلابد
أنه قد أنتج أدباً يعكس ذلك الموروث . فماذا عن الموروثات الشعبية والخيل .
يقولون : أن شبت
الإبل أهرب وأن شبت الخيل اضرب ويعني أن الإبل ترى من بعيد أما الخيل فلا تلتفت
إلا للقريب ومن أمثلتهم . هذا حصانك وهذه السدرة .
للتحدي واثبات
الأمر . ويروى أن فارساً سئل أيهما أفضل الفرس أم الحصان فآجاب الراحة في الفرس
والهمة في الحصان والأمثلة الشعبية التي تعكس الخيول في الموروث الشعبي كثيرة منها
اللي مي فرس بوك اتوقعك ، أسملى ع الخيل من ركابة السو . وفلان يبيها حمره وجراية
وما تأكل فالشعير . وهذا للأمر السهل . وسئل البغل عن أبيه فأجاب خالي الحصان .
وكثير من الأقوال
الشعبية التي وردت حول هذا المخلوق العجيب حتى أن بعض المربيين إذا مات حصانه دفنه
وأقام عليه العزاء .
غير أن الشعر
الشعبي يبقى أكثر عناصر الثقافة الشعبية لمكانته في نفسية الإنسان الليبي عبر
العصور لذلك نجد القصائد الكثيرة التي تمتدح الحصان وهذه أبيات من قصيدة للشاعر
" بواسليم الشلوي " من فحول الشعراء يصف فيها حصاناً كامل الأوصاف يقول :
ناظر الحصان اللى
أدقول مرارة – بلون خضر غم أتسيرله تفتيحه
وفوقه احلاس
يعجّبك نوارهْ – ادقول ريش بوعباب تارا شيحهْ
اركابهْ امفجّر
ناقشه بيطارهْ – والدَّير والقلادهْ والخدود سطيحهْ
وين ما اركب سيدهْ
عليه وسارهْ – أتحقّه أتقول أيموج في درجيحهْ
مع جمته ترعي هميت
اعذارهْ – اتقول طرف شلاّيهْ أوقات مديحهْ
وِن لمْسهْ رقيق
الشّفر شاطت نارهْ – يقعد إيرابي فالوطا ابرديحهْ
وين ما تكسَّل
وانعدل مشوارهْ – رقَّص انعال ايديهْ ب امفاتيحهْ
وبهذه الأبيات
نكون قد وضحنا هذا الترابط الميثولوجي والتاريخي بين الإنسان الليبي والجواد .
الجواد الذي وصف به الشاعر في مشهده ووقفته وجماله حبيبته حين يقول انتي شوفك شوف
أمنعّل ، خَمَاس امتِل – اربط في ظِل - بين سلاسل – عليه اسمل – ويش تخايل -
تنفَّض تل - أبهن بالكل ، اقند خلاهن وين صهل ، انتي شوفك .
كاتب وباحث في
التراث
المصدر:
المجلة الجامعية
للثقافة و العلوم . تصدر فصلية عن جامعة عمر المختار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق