05‏/04‏/2015

المجرودة

المجرودة :

-
المجرودة جاءت من التجريد اى الجرد و الحصر والذي يعني التخلص من الفروع فيقال عاميا( غرسه مجرده) أي شجرة اجتثت و أزيلت فروعها وأبقي علي الجذع وبه نتوءات قصيرة وهي أصول الفروع فقط،وذلك بعد قطعها وهي خضراء، (حيث إن تهذيب فروع الأشجار الحية يسمي تقليم)، وهذاينطبق تماما علي المجرودة فنيا، فالأشعار الأخرى لها فروع طويلة عادة لتطرح عليهاالمعاني والمواضيع حتى تكتمل تلك المعاني ثم تعود إلى مطالعها، غير أن المجرودةفروعها قصيرة جدا وقريبة من قافية المطلع.
غير أن لمعني الاسم معني آخر قد يكون هو أيضا معبرا عن تسميتها ظاهريا،فكلمة تجريد تعني في العامية أيضا حشد واستدعاء أكبر عدد من الناس للقيام بعمل ماوخاصة لمواجهة الأخطار أو للإدلاء إليهم بحديث هام ، وهذا ينطبق تماما عليالمجرودةفشاعرها لا يلقيها إلا وتصاحبه جوقة كبيره من الرجال.
- يتم اداء المجرودة فى الهواء الطلق بواسطة مجموعة من الرجال الواقفين على ارجلهم بشكل قوس يحيط ( الحجالة) التى تقف فى نصف هذا القوس تقريبا غير كاشفة وجهها واضعة كفيها فوق بعضهما البعض متكئة بهما على عصا مستندة على الارض دون اداء اى حركة معينة بانتظار خروج المجراد .

- يبدأ احد الموجودين باداء اغنية علم يلقيها الشاعر او الرواى او المجراد كما يسمى وذلك بعد الخروج من الصف متقدما صوب الحجالة لاستئذانها فى اداء المجرودة التى يكتنفها وصف لحسنها وجمالها ، ويكون التصفيق من باقى الرجال هادئا بحيث لا يسمع حتى ينتهى الشاعر من اداء اغنية العلم ليبدأ فى اداء المجرودة والتى تقوم الحجالة بالرقص على لحنها الذى تلقى به اماباقى الرجال فانهم يقومون بترديد اخر بيت فى كل مقطع يلقيه الشاعر من المجرودة وهذا ما يعرف باللازمة والتى قد تعاد مرتين او ثلاث يصاحبها تصفيقا خاصا من بقية الرجال بضرب الكف على الكف بقوة ربما لايصال معنى الحسرة والندم على فقد المحبوب .
ومثال على ذلك :

 

اهلا وسهلا ومسا الخير=لك جايبنا شوق غزير
انت قدرك فى الناس كبير=انت فوق الحاجب والعين
وكذلك :
مرحبيتن اهلا لا جيتى=كيف الحال وكيف امسيتى
مرحبتين بعد طليتى = عشتى شرفتى وعليتى
وانتى قدامى صبيتى=نحكيلك ما صايـر فيـا
-ما يلاحظ على المجرودة انها تنطلق ببيت أحادى القافية كلمته الأخيرة تختلف بقافيتها عما سبقها ،ويتلو ذلك فرع قصير آخر مستقل القافية عدا كلمته الأخيرة فهي تتفق في قافيتها معآخر كلمة من المقطع السابق، وهكذا حتى نهايتها، والأصعب من ذلك أن كل كلمة أخيرهفي أي مقطع من مقاطعها تكون مطلعا للمقطع الموالي تطابقه في المعني وتختلف معه فيالقافية .
- المجرودة لا تتحدث عن قصة عاطفية يعيشها الشاعر في حينها ويحدوه الأمل في نجاح تلك العلاقة لتكون نهايتهاسعيدة لا إن شاعر المجرود لابد أن يتناول سرد قصة عاطفية حدثت في حياتههو، وليس غيره، وانقطعت تحت أي ظرف وكانت نهايتها الفراق واليأس الذين داهما تلكالعلاقة وقطعاها فجرداها من كل شيء لتحرم من الحياة وهي في أوج خضرتهاوإيناعها.
هذا ما يبدو أنه سر تسميتها من الناحية الفنية الإبداعية الكامنة، وهذا ما يطابق المعنى الثانى لها كما أسلفنا ليكون هو أيضا معبرا عن تسميتها ظاهريا،فكلمة تجريد تعني في العامية أيضا حشد واستدعاء أكبر عدد من الناس للقيام بعمل ماوخاصة لمواجهة الأخطار أو للإدلاء إليهم بحديث هام ، وهذا ينطبق تماما علي المجرودةفشاعرها لا يلقيها إلا وتصاحبه جوقة كبيره من الرجال تردد خلفه آخر مقاطع تلكالمجرودة والخسارة، وبهذا يتحدث الشاعر عن مأساته العاطفية ويشاركه في إذاعةموضوعه ذلك الجمع من الرجال، وبذا يلفت نظر أولئك الذين يستمعون إليه بين واقفوجالس لقضيته وهو يجرد ويسرد موضوعه من البداية حتى النهاية المأساوية بالنسبة له ،وعادة ما يضرب مثلا بمأساة أخرى معزيا نفسه بها ، وهدف الشاعر من ذلك أن يتحصل عليأكبر تأييد معنوي من أبناء مجتمعه.
-
 أما عن وجود تلك المرأة التي تقف أمامه دون حراك فإنها تمثل الطرف الآخر أيالمرأة التي هي سبب تعاسته هذه ، وشاعرنا يستعرض أمامها موضوعه في تأسٍّ بالغأحيانا، وفي خشونة وشدة أحيانا أخري، علما أنه لا يقوم بمغازلة تلك المرأة طمعا فيحبها ، بل يخاطبها باحترام بالغ رغم استخدامه لصفاتها الجميلة ومناقب أهلها كناياتلمناداتها بين الحين والآخر وهو للفت نظرها لموضوعه فقط، وهي تقف أمامه بانتباهوتنصت لما يقوله جيدا، وبذلك يكون شاعر المجرودة قد عبر لطرفي المجتمع عن شكواهونفّسَ عن آلامه وأحزانه مستخدما قدراته الأدبية وإبداعاته الفنية.
ونضيفبأنه عند إلقاء المجرودة وسط الجو السابق وصفه، تكاد أن تنعدم الحركة بين الجميع،فالمشاركين يرددون آخر مقاطع الأبيات الملقاة من قبل الشاعر ولا تصدر عنهم أية حركةأخري ، والراقصة واقفة بشكل تمثالي دون حركه ، والمستمعين يلقون السمع وهم في حالةهدوء كامل ولا تصدر عنهم إلا كلمات التأييد والإعجاب بين الفينة والأخرى .
- ومن خلال طرح الشاعر لقضية حبه الضائع بهذاالشكل يخلق نوعا من الجو المشوب بالحزن والتأسي وخاصة وهو يضرب الأمثلة بكوارث أخريأكبر من مأساته ، وبما أن المجرودة لا تُلقي إلا في مناسبات الأفراح فلابد إذا منالخروج من هذه المناحة إلى جو الفرح والبهجة وبشكل منطقي، فلذلك عند نهاية المجرودةيقوم الشاعر أو أحد المشاركين بإلقاء شتاوة (وهي بيت واحد من الشعر) يتناقلها صفالمصفقين مناصفة ويتغير إيقاع التصفيق وتقوم المرأة الواقفة بالرقص علي ذلك الإيقاعفيتحول الجو إلى فرحه ورقص وتصفيق ، و هذا مخرج غير عادي أوجده مصمم نسق هذا الشكلالتراثي، وتحول من جو إلي آخر عكسه تماما بشكل مقبول، ولو انتهت المجرودة ولميعقبها هذا الإجراء لجثم جو الكآبة والحزن علي الجميع فترة من الوقت ، وهذا غيرمعقول لان الجميع يحضرون حفلة للفرح والسرور.
- كل الأشعار يمكن إلقاؤها ملحنة وغير ملحنة بين الناسوفي كل المناسبات ، غير أن المجرودة تشذ عن هذه القاعدة فهي لا تلقى إلا ملحنةوأمام صف المصفقين وبحضور المرأة الراقصة وفي مناسبة فرح ولا يلقيها إلا رجل ، إذاكل هذه الشروط يجب توفرها حتى يتم إلقاء المجرودة.


ليست هناك تعليقات: