30‏/05‏/2013

الشاعر الشعبي هاشم بوالخطابية

الشاعر الشعبي هاشم بوالخطابية



يعد الشاعر هاشم بوالخطابية من أوائل وكبار الشعراء الشعبيين في بلادنا وقبل ان نعرج على قراءه شعره الشعبي، نتطرق الى المدينة التي ولد بها الشاعر هاشم بوالخطابية، وهي مدينة طبرق ، التي تقع في الشمال الشرقي من ليبيا ، والتي عرفت بين الكتاب الأوربيين باسم " مارماريكا " أو ما يعرف حالياً بأسم البطنان ودفنه وأن كان مصطلح البطنان قد طغى على الأخر ليشمل الأثنين معاً.
وتطل البطنان بموقعها على البحر المتوسط ، وتمتد على شكل مستطيل باتجاه طولي من الشمال الى الجنوب ، وبعرض حوالي 300 كيلو متر ، وتعرف المنطقة الممتدة شرق مدينة طبرق بدفنه ، والمنطقة الواقعة غربها البطنان.
وقد اشتهرت مدينة طبرق بيمينائها الطبيعي العميق ، المحمي من الرياح ، والصالح لرسو جميع السفن ، والذي كان دائماً هدفاً للأطماع الاستعمارية خاصة وان المدينة هي شبه جزيرة يحيط بها البحر من ثلاث جهات.
كما امتازت طبرق بالعديد من الأودية سواء التي تقع في الغرب أو الشرق والتي كانت تغذي المدينة بمنتوجها مثل وادي هاشم ، ووداي العودة ، ووادي السهل ، وأم الشاوش ، طبيرق وغيرها . وتضرب منطقة طبرق بجذورها في أعماق التاريخ . فقد أنجبت شيخ الشهداء عمر المختار . وغيره من المجاهدين.
كما أنجبت الكثير من الشعراء الشعبيين الكبار . وقد استقرت بهذه المنطقة قبائل المرابطين من أمثال :المنفة ، والقطعان ، والحبون ، والشواعر والسنينات ، والموالك ، والجراره ، وغيرهم ، وكذلك قبائل العبيدات الذين يرجع نسبهم الى عقار بن أبي الليل الكعوبي شيخ قبائل بني سليم والذي تزوج من سعدي الزناتية ، واليها ينتسب السعادي جميعهم بما فيهم العبيدات ، ويعد أفراد كل من قبائل العبيدات والمرابطين هم السكان الأصليين لمنطقة البطنان ، ومن أشهر قبائل العبيدات الذين سكنوا طبرق قبيلة مريم ، هذا بالاضافة الى عائلات من قبائل غيث ، والشاهين وغيرهم..
وتفرعت قبيلة مريم الى عدة فروع ، والتي من بينها عائلة الفريخ بيت عبدالكريم ، التي يتنسب اليها شاعرنا هاشم بوالخطابية.
وفي أواخر العهد العثماني ، وبالتحديد في سنة 1885ف شهدت مدينة طبرق حركة عمرانية وسكانية واسعة وخاصة بعد أن أسست بها الحكومة العثمانية دائرة للبرق ، والجمارك ، ومحكمة شرعية ، ومدرسة لتعليم أبناء المدينة مبادئ القراءة والكتابة ، كما تم انشاء المسجد العتيق بها، وكذلك الزاوية العروسية ، والزاوية العيساوية ، ومع مضي السنوات أصبحت طبرق بها العديد من المساكن ، والحوانيت ، والأبنية الادارية ، مما جعلها محط أنظار بعض الأسر القريتلية والعديد من عائلات مصراته وطرابلس ودرنة وبنغازي الذين نزحوا الى المدينة واستقروا بها، مما ادى الى زيادة السكان ، وتنشيط الحركة التجارية بها ، كما يجب أن لا ننسى أن أن غالبية سكان البطنان ودفنة كانوا من البدو الرحل الذين ينطلقون خلف أغنامهم وابلهم بحثاً عن مواطن الكلأ و موارد المياه في سقايف البطنان والدفنة ، كما أنهم كانوا يعتمدون على مياه الأمطار الموسمية.
وينتمي شاعرنا الى عائلة الفريخ (بيت عبدالكريم) أحدى عائلات قبيلة مريم، ووالده هو عبدالكريم عبدالمولى بوالخطابية الذي ولد سنة 1840ف.
وقد عاصر أواخر العهد العثماني ، وكذلك بداية الاحتلال الايطالي للبلاد ، وتزوج بأكثر من امرأة ، أما والدته فهي / مريم خطاب من قبيلة المنفة عائلة علوش ، وقد توفي عبدالكريم بوالخطابية سنة 1927ف وقد ترك العديد من الأبناء ومن ذريته ((هاشم – سليمان – خليل – عبدالسلام – عبدالله))
شاعرنا أذن هو عبدالكريم عبدالمولى بوالخطابية ، من قبيلة عائلة الفريخ بيت عبدالكريم.
وقد ولد شاعرنا سنة 1882ف ، وترعرع وعاش بمنطقة البطنان ، الطرف الشرقي من الوطن ليبيا وبالتحديد مدينة طبرق ، وادي الوعير الذي يقع الى الشمال الشرقي من المقبرة القديمة والذي يعتبر مسقط رأسه ، ومهد طفولته ذلك الوادي الذي سمي بهذا الاسم لصخوره الرسوبية الوعرة منذ العصر المطير والذي كان غنياً بخضرواته ، وقد ورثه الشاعر وأخوته عن والده وكان يمتهن الزراعة فيها ، ويهزج بأشعاره وهو يسقي الزرع والعصافير تغرد من حوله ، وصدى أغانيه كانت ترددها سفوح الوداي الغنية بشجيرات الشيح والزعتر . وقد تفتحت قريحة الشاعر بوالخطابية على بساطة حياة البادية ورغدها ، وخاصة في السنوات الأولى من صباه وشبابه ، وتأثر بالبيئة التي ولد فيها ، كما كان سوق مدينة طبرق هو منتداه الشعري يتحلق في مجلسه كل من يعرفه ومن لا يعرفه ، يستمعون الى قصائده ، فقد كان حاضر البديهة في مناظرة الشعراء الشعبيين وارتجال الشعر ، ويحب الدعابة والتندر بطبائع الناس وسلوكهم في الحياة عند ما يحضر ممتطيا حماره لبيع الخضروات في سوق المدينة يسرع الناس لملاقاته والاستمتاع الى حكاياته الطريفة ، وأشعاره ، وان كانت معظم أشعاره في المزح والدعابة قد تلاشت وضاعت في صدور الحفاظ والرواة ولم توثق.
وقد أحب شاعرنا في شبابه ، فتاة بدوية جميلة ، تسمى ((الشاكة )) سرعان ما اختطفها الموت وهي في ربيع العمر فذهب في جنازتها مع الأهالي ، حتى احس بالحزن العميق لفراقها وتخلف عن العودة مع المشيعين وطال مكوثه عن الرمس حتى داهمه النوم ، ولما أفاق من نومه وجد نفسه يرثيها بأبيات من الشعر الشعبي ، ومن يومها أصبح هاشم بوالخطابية شاعراً . وقد انصب شعره الشعبي في بداية حياته على الغزل وحضور مناسبات الأعراس في النجوع وفي سقايف البادية ، ومن شعره الغزلي هذه الابيات قوله:
يدوي دوي البحر عقب ليله كاثر دقيله الخاطر على خزرة اللي اوميله

وبعد ذلك توالت قصائده العاطفية الشعبية مثل العينن همدت ، و واجد اشقينا به، حواء ، عيون شوق ..وغيرها.
كما كان يميل الى حياة الانطلاق والتحرر ، وزيارة العديد من الأصدقاء في مختلف المدن الليبية ، ومن أوصاف شاعرنا هاشم بوالخطابية ، أنه كان متوسط القامة ، ممتلئ الجسم ، نظيف البشرة ، يمتاز بالروح المرحة ويميل الى الدعابة والفكاهة في حياته الاجتماعية.
وقد عاصر شاعرنا في حياته أواخر العهد العثماني ، والذي عرف بخلافاته الداخلية بين الولاة وفرض الضرائب الباهظة على الاهالي والسكان ، وهذا بالاضافة الى حالة الضعف والتدهور ، مما سمح للغزو الايطالي بأن يحتل البلاد سنة 1911ف ، وقد كانت مدينة طبرق من أهم المواقع الحربية على الساحل الليبي وميناؤها كان له شأن في جميع الحروب الحديثة التي جرت على الأرض الليبية فكان من الطبيعي أن تكون طبرق بسبب هذه المزايا الحربية الهائلة هدفاً رئيسياً للحملة الايطالية ، بقصد السيطرة عليها، فلذلك كانت طبرق أول بقعة من التراب الليبي تطأها أقدام الاحتلال الايطالي.
وكانت الأوامر قد صدرت لاحتلالها قبل مدينة طرابلس وبنغازي ، وقامت السفن الايطالية في 14 أكتوبر سنة 1911ف بقصفها تمهيداً لاحتلالها ، ودعوة الحامية التركية الى الاستسلام ونزلت بها وحدات من البحرية الايطالية بعد أن قامت السفن بتدمير الحصن التركي العتيق ، ثم نزلت في 19 التمور 1911ف بقية قوات الحملة المخصصة لاحتلال طبرق والسيطرة عليها ، وما ان وقع الاحتلال حتى تنادى الأهالي للجهاد الأكبر ، وبدأ المجاهدون في تنظيم صفوفهم ، ولم يمض أسبوع على نزول المحتلين بالمدينة ، حتى بدأت مقاومة السكان لهم مقاومة عنيفة لا تقبل الخضوع والاستسلام.
كما اشترك شاعرنا في حركة الجهاد ، وخاصة معركة الناظورة التي وقعت في 22 ديسمبر الكانون 1912ف ، وكانت بقيادة المجاهد المبري ياسين ، ومعه العديد من المجاهدين من مختلف القبائل في المنطقة ، حيث هاجموا القوات الايطالية التي كانت تحتل قصر الناظورة وهو مكان يشرف على مدينة طبرق من ناحية الجنوب . وقد استشهد في هذه المعركة المجاهد المبري ياسين ، كما أصيب فيها العديد من المجاهدين من بينهم الشاعر المجاهد هاشم بوالخطابية ، حيث أصيب بثلاث اصابات ظل يفتخر بها طوال حياته(1)
ولما يئس الاستعمار الايطالي من القضاء على حركة الجهاد ، واخضاع المقاومة المتأججة بقيادة شيخ المجاهدين عمر المختار ، وفشلت جميع التدابير ، ولجأ السفاح الايطالي غرسياني الى زرع الأسلاك الشائكة على الحدود المصطنعة مع مصر من مساعد شمالاً حتى منطقة الجغبوب.
ونقل جميع الأهالي من البطنان والجبل الأخضر إلى المعتقلات مع حيواناتهم وابلهم الى العقيلة والبريقة والمقرون وغيرها..
وقد كابد الأهالي في هذه المعتقلات الجوع والعطش ، واشد أنواع الابادة الجماعية للشعب الليبي.

كما لا ننسى أن شاعرنا هاشم بوالخطابية قد تأثر نتيجة الاحتلال الايطالي كغيره من الشعراء في بلادنا ، وحصار المدينة بذلك السور الضخم الكبير الذي كانت بوابته الغربية تسمى باب درنة وبوابته الشرقية باب السلوم ن ولا يسمح للآهالي بدخول مدينتهم الا بتصريح ايطالي يسمى (( برميسو ))
تذكر شاعرنا كيف حل به عيد الاضحى وأهله في المعتقلات ، ومدينة طبرق خالية من سكانها ومراح ماشيته الذي كان صاخباً ، لا يسمع فيه ثغاء, قصرت يداه حتى عن شاة الأضحية فتعثرت خطواته وأقدام الغرباء تدنس شوارع المدينة ، ولا أذان يرتفع بمئذنة مسجد طبرق العتيق ، أحس بالحزن العميق وأخذ يردد:
العين عيدت في بلادها وغريبه يا لطيف يا ساتر عليك مصيبه
كـم عـيد عـيدناه مـوبنكــاده ايــام الهنا والبيت واجـد زاده
وهناك من يزيدك في الشرف ميعاده كان غيرهن لنظار ما يلتامن
ابقي دمعهن فوق الوطا بداده قوي مازقه فيه المراكب عامن
وكذلك عندما اطل شاعرنا ذات يوم على وادي العودة / ولم يجد احداً من أصدقائه وأقاربه ، أخذت العين تذرف بالدموع في حزن وأسى وردد :
اليوم جيت لطبيرق ووادي العودة اصحاب ما القيت ودارهم ميجوده
وعندما وصل مطلع هذه القصيدة سراً الى معتقل البريقة ، رد عليه الشاعر سالم البنكة من المعتقل ، وهو يشعر بالحنين المتدفق لمسقط رأسه ، ومهد طفولته وهو يدعو الله سبحانه تعالى أن يخلّص الوطن من كابوس الاحتلال الجاثم على صدره والعودة الى مضارب الاهل ونجوعهم.
وبعث اليه الشاعر سالم البنكة(2) برده قائلاً في قصيدة:
اليوم جيث لطبيرق وريت القبه وريت شي نظر من امقبل جبا
هنى بال من فوق المدور صبا وراعي سقايف دايرات اجبوده
في نجع ما عمره نهار تغبا انجاهم الضايف مرحبا بالجوده
واخيار الفتى يصبر لحكمة ربه وراه كل شي عند الكريم احدوده
كان جيت لطبيرق اوهام ايغدن انهفن ادموعي ع الوطاه ابدن
طالب افضول الله ياك ايعدَن أيام النـكاد وربطنا في العـوده
وان شاء الله من ربي امور اجدن ابدل الريح العالية بخموده
ان شاء الله ناتوهن ابجاه ربنا في اسرع سريع انجوهن
نفوت مقعد الريقات ونقربوهن ونبقوا نزالى كل حد في هوده
ينقّض على الجرح كي نرعوهن الدهر خاني فاقد تريس اسدوده
وايام السعاده الهالبات ايردن امغير يصبروا يفزع الله بجوده
لكن الشاعر هاشم بوالخطابية لم يصمت على تلك الجرائم الوحشية ، التي قامت بها ايطاليا الغازية ضد الأهالي ، فقد أرَخ لكل تلك الاحداث الجسام في قصائده الوطنية والتي من بينها قصيدة البطنان حيث قال فيها:

من وادي اسماه جرفان لرأس التراب الوصايف
الدايم الله يــا البطنان خاليات فيك السقايف
عليك انعكس مال الزمان وربيعك اللي كان فيك صايف
ثم اخذ في وصف حالة ترحيل الأهالي من البطنان الى معتقلات البريقة والعقيلة ، تلك المأساة المروعة ، حيث يذكر تلك القبائل التي زج بها في معتقلات الابادة الجماعية:
ومنيف وشواعر وقطعان يا ما جرى لهم م الحسايف
سيقوا كما سوق حيوان بسوم وكس وان الخرايف
ولشاعرنا العديد من القصائد الوطنية التي يصور لنا فيها كفاح الآباء والأجداد ، ضد الغزو الايطالي ، مثل قصيدة البطنان ونهار الغنة وغيرها.
وان كان لم يذكر لنا أسماء معارك الجهاد أو مواقعها أو السلاح المستخدم فيها الا انه ذكرها بشمولية وبصفة عامة دونما تحديد.
ومع دخول الحرب العالمية الثانية ، أصبحت طبرق من أكثر المدن الليبية تعرضاً للقصف والدمارمن قبل القوات المتصارعة عليها سواء من الحلفاء أو المحور ، حيث لجأ الأهالي الى ترك المدينة والاستقرار في المرصص والكهوف و الوديان المجاورة لها.
ويتذكر شاعرنا في قصيدته كيف تم تفريغ المدينة من عائلاتها ،الى منطقةالمرصص نتيجة تلك الحرب المشؤومة حيث قال:

واليوم يانك في الوطا مرمية وينهم أهاليك ووين التجار
ووينهن حساباتك الدرناويه أرباب البضايع سلمن في الدار
ووينهم تواجيرك اللي روسيه جيابة الفخر وقتا يسير حقار
ووينه السوداني وعيت رقية وكمين حوش قرعتهم اللي خطار
وتمضي السنوات وتدور عجلة الزمان ، تتقدم السن بشاعرنا فيتقوس ظهره ويشتعل رأسه شيباً ويعتل جسمه ويضعف بصره ، ويتجه في قصائده الأخيرة ،إلى ذكر الأطلال والديار وتذكر سنوات الصبا والشباب ، وظهر كل ذلك واضحاً في قصائده الحوارية كالبئر والسن والدار وغيرها.

ويستقر به المقام في أواخر عمره في ذالك الوادي المسمي باسمه وادي هاشم ويظل يتردد عليه الشعراء ، وكذلك الاصدقاء من غير الشعراء من مختلف الأجيال في مدينة طبرق ، والذين كانوا يستمعون الى قصائده الشعبية الرائعة و إلى حكاياته ونوادره الطريفة المرحة ، فقد كان شاعرنا يحتفظ بذاكرة قوية حيث كان يعرف أدق التفاصيل عن المناسبات التي قال فيها قصائده وتاريخها أيضاً ، وكان يردد على مسامع معيديه وزواره وهو على فراش المرض، وعندما كان قاب قوسين أو أدنى من دنو الأجل قال يا "أحبابي لقد هدني الكبر والحب والشعر"

الشيخ : سعيد جربوع

الشيخ : سعيد جربوع

المجاهـد والعـمدة.. آخر رفيق لعـمر المختار

د. فـرج نـجـم

كنت من بين المعزيين في الحاجة فاطمة بونجوى وهي آخر زوجة كانت للشيخ عمر المختار قبل استشهاده، ومن بعده اقترنت بابن أخيه المجاهد احمد محمد المختار. وإذا بي أمام الحاج محمد ابن الشهيد عمر المختار، وبعد تقديم التعازي وتجاذب أطراف 

المجاهد سعـيد جربوع
عـن عـمر ناهز 95 سنة
الحديث سألته عن الشيخ سعيد جربوع فاخبرني بأنه حي يرزق في الوطن الشرقي. 
وبعد رحلة شاقة في قمم الجبل الأخضر، وتحديداً بين مزارع بطة ودندخ وأخيراً بمنطقة بوقراوة التي تبعد 22كم شرقي المرج على الطريق الساحلي باتجاه مدينة البيضاء التي رجعنا منها قافلين، وإذا بنا نتوقف على بوابة أمن فرزوغة، ليسألنا الشرطي المناوب: "من أين أتينا وإلى أين نحن متجهون، فيجيبه سائقنا: بأننا بحّاثة وكنا في زيارة ميدانية لأحد المجاهدين وهو سعيد جربوع إن كان يعرفه ! فأجاب الرجل بنبرة مملؤة بالاحترام: ".. وقال: أي نعم أعرف الشيخ سعيد جربوع .. وتفضلوا بالسلامة".

وهكذا بسمعة هذا الرجل مررنا من البوابة لننقل سيرة آخر رفيق لعمر المختار مازال على قيد الحياة، الذي كم ابتهلت ودعوت الله تعالى أن يوفقني لأراه .. وبالفعل وفقت في ذلك، وكان في صحبتي كل من الرفيقين الباحث عبد العالي العوكلي والراوي عطية الله العرفي، كما رافقنا الحاج علي ابن المجاهد الكبير عصمان الشامي. وفي مزرعة ببوقراوة وجدنا شيخنا الذي تعذرت تلك السيدة البدوية لنا لعدم سماح صحته لمقابلتنا، ولكن إلحاح الأستاذ عبدالعالي وإخبارها بأننا قدمنا خصيصاً من بنغازي، وخاصة كاتب هذه السطور الذي أتى من لندن من أجل هذا الموضوع، وبعد الاستئذان لرؤيته والسلام عليه، قالت تلك السيدة: "أعطونا لحظات لكي نهيئه لكم كما ينبغي". وبالفعل ما هي إلا دقائق حتى أذن لنا بالدخول إلى المربوعة (غرفة الضيوف) وإذا بشيخنا واقفٌ كالطود على قدميه مرحباً بنا بحرارة البدو المعتادة. 

سئلت إذا كان بالإمكان إجراء مقابلة معه فقال الشيخ: "الصحة بالهون والعلل طويل .. ولكن قولي ايش تريد تعرف، وأنا إنشاء الله انقولك". عندها حان وقت صلاة المغرب، فقمنا للصلاة، وإذا بالشيخ سعيد يقف معنا في الصف على رجليه، ويصلي معنا المغرب كما صليناه نحن من وقوف، وقمنا بعدها لصلاة العشاء قصراً وجمعاً مع المغرب فإذا بالشيخ سعيد ينفل معنا في صلاة العشاء جالساً. 

الشيخ سعـيد جربوع في حديثه معـي ومن حولنا رفقائي وأحفاد الشيخ
وبعد صلاتنا دخل علينا أبناء الشيخ وخاصة محمد وعبد القادر والأحفاد ليلتم الشمل ومن ثم يأمر الشيخ بأن يجهز لنا وجبة العشاء ولكن رفقائي اعترضوا على ذلك، ولكن الشيخ أصر وكاد أن يقسم، حينها تدخلتُ وقلت له: "يا شيخ سعيد عندي شرطين إذا أردت أن تكرمنا، ثانيهما أشد من الأول". فقال: "تفضل". فقلت: "أن نأكل من الموجود وبدون كلفة، أما الثاني أن تستمر في حديثك معنا مادمنا نجلس معاً". فرد الشيخ موافقاً. 

بدأت سؤالي مع الشيخ سعيد إذ كان مع عمر المختار عندما وقع في الأسر ؟ فقال: "عندما حوصرنا في وادي بوطاقة بعد زيارة قمنا بها إلى سيدي رافع، وكنا قرابة الخمسين فارساً، فحاصرنا الطليان في ذاك الوادي الضيق، وبدأ الرصاص يحصد رجالنا بعد نفاذ الذخيرة، طلبت من سيدي عمر المختار علف (ذحيرة)، فأعطاني 3 أمشاط، وبعد نفاذها رجعت فأعطاني 3 أمشاط أخر، وكنت حينها بصحبة كل من حسن العرج وعبد العاطي بوبعيدة وهما من قبيلة الحاسة". وأضاف الشيخ سعيد قائلاً: "عندما وقع سيدي عمر على الأرض كان بيني وبينه مسافة لا تزيد عن ثلاثة أمتار. 
هذا وقد أصيب الشيخ سعيد في يده اليمنى، وقد عاينت جرحه بنفسي"، ثم استطرد قائلاً: "حيث حاولنا مع بقية الرفاق فك أسر سيدي عمر المختار ولكن بدون جدوى، وحاول البعض في ضباب المعركة فعل ما فعله مفتاح قويرش الحاسي، الذي رفض مغادرة سيدي عمر واهتزج مغنياً: "دمي رايب عند الشايب"(2) حتى سقط مضرّجاً في دمائه شهيداً، وقد سبقه إلى الشهادة مدافعاً عن عمر المختار عوينات العقوري، ليكون أول شهيد في تلك المعركة(3)". 

يقول الشيخ: "رجعت إلى سيدي عمر المختار لأراه واستلهم منه الأوامر، فقال الشيخ لسعيد جربوع: "عدّوا يا ضناي هذا يومٌ لا لي ولا لكم"، وهذه الكلمات بمثابة الأوامر الأخيرة من عمر المختار لرجاله، كما روى الشيخ سعيد جربوع. وعندما سقط عمر المختار في الأسر كان حينها عمر الشيخ سعيد جربوع 20 سنة.

ولد الشيخ سعيد جربوع عبد الجليل سنة 1908م في تاكنس جنوب شرق المرج، وينتمي شيخنا إلى قبيلة العبيد بيت شعوه. كان أبوه (الشيخ جربوع عبد الجليل) مجاهداً وقع في الأسر ومن ثم نفى مع من نفي من الليبيين إلى إيطاليا لسنتين(4). وقبيلة العبيد غنية عن التعريف حيث كانت النواة لما اصطلح عليه بعد عام 1923م بحرب الأدوار. فكان دور العبيد الذي قاده عمر المختار الدور الرئيسي في القتال بالجبل الأخضر بعد انهيار أغلب المقاومة في ليبيا. 

عين السيد المهدي السنوسي الشيخ عمر المختار شيخاً لزاوية القصور سنة 1885م الواقعة بين نجوع قبيلة العبيد ببرقة الحمراء. وعرف عن العبيد تمردهم وصعوبة مراسهم وعدم خضوعهم لأي سلطان، ولكن سرعان ما انصاعت هذه القبيلة ذات البأس الشديد للقيادة الروحية والتنظيمية للشيخ عمر المختار.

وبعد مشاركة الشيخ عمر المختار في الجهاد في تشاد ومن ثم عاد إلى أرض الوطن، عين مرة ثانية في مكانه في زاوية القصور سنة 1906م لإدارة شؤون قبيلة العبيد التي طالما قابلت طلب السلطات العثمانية في جباية الضرائب بالرصاص(5). والشيء بالشيء يذكر، فقد استطاع عمر المختار أن يقود قبيلة العبيد التي لعبت دوراً رئيسياً في الجهاد، وضحّت بكثير من شبابها وشيبها وفي مقدمتهم التواتي بوشعراية - شيخ قبيلة العبيد - شهيد معركة الرحيبة عام 1927م، الذي سقط ذبيحاً في مسيرة الجهاد الخالدة ليسطر له ولقبيلته تاريخاً في ليبيا(6). 

عندما حارت إيطاليا في أمر هذه القبيلة التي وصفها غراتسياني قائلاً "قبيلتين: المغاربة في الغرب والعبيد في الشرق قد سببا لنا الكثير من المشاكل في برقة"، حينها قررت إيطاليا أن تجر هذه القبيلة وتلقي بها في معتقلات التهلكة التي أعدتها إيطاليا لإبادة بدو برقة(7). 

فاق دور قبيلة العبيد الألفي رجل تحت إمرة الشيخ عمر المختار، ومن ثم نائبه الشهيد يوسف بورحيل المسماري(8) وخيرالله الشويخ العبيدي. وعندما بلغ شيخنا سن الحلم – 15 عاماً – التحق بدور قبيلته سنة 1923م، تلك السنة التي استلم فيها عمر المختار القيادة العامة لقوات المجاهدين في الجبل الأخضر. وأول مشاركة للشيخ سعيد كانت له في معركة يوم العيد، التي أهتزج فيها الشيخ عمر المختار وقال: 
جيتو في عيد ويوم سعيد إن عشت سعيد وأن مت شهيد

كان حينها سعيد جربوع لم يتجاوز السادسة عشر من عمره. ويستطرد الشيخ: "عندما بدأ القادة يفوزون بالشهادة تباعاً؛ الفضيل بوعمر وعمر المختار ومن ثم يوسف بورحيل، فقرر بعض المجاهدين الهجرة، والبعض الآخر قرر البقاء على أرض الوطن رغم شح العتاد والزاد والوحشة، بعدما وضعت جل القبائل خلف الأسلاك الشائكة". 

وبعد سجال وطراد بين المجاهدين والطليان من جهة، والجوع والعطش وقسوة الأحوال من جهة أخرى، غدى المجاهدون يقتاتون على الحشائش مع بهائمهم. فأكلوا الكراث والقعمول والخرشوف والجرابيع وصيد الليل (القنافذ البرية ذات الأشواك الحادة)، برغم حرمتها شرعاً، فاضطر المجاهدون إلى تقسيم أنفسهم إلى عدة فرق لتستفيد من قدرتها على سرعة التنقل بشيء من الاستقلالية الميدانية للقتال والغزو، فأمضوا الشهور والأيام في ظروف لا يتخيلها صاحب خيال، فتارة يحالفهم النصر وأخرى الكسر، ونال شيخنا نصيبه من الأذى، حيث أصيب خمس مرات في خمس معارك وقتلت تحته ثلاثة خيول، وبالرغم من هذا استمر في القتال والغزو دون التفكير في الاستسلام ولوى لبرهة. فالفرقة التي كان فيها الشيخ سعيد بعد التقسيم كانت تتكون من 85 فارساً أغلبهم من أبناء عمومته. ومن الغزوات الناجحة كانت تلك التي على سوق احداش في بنغازي، حيث غنموا مع المؤن الحبال وبعض الأردية وصابون السوسي. حينها قرروا الهجرة بعد سنة من إعدام الشيخ عمر المختار، لأنه اصبح من المستحيل الاستمرار بنفس النهج نظراً لتغير الظروف وتكاثر المصاعب أمامهم في برقة. 

وبعد غزوة ظافرة غنموا فيها 150 من (زوايل) الإبل، قرروا الهجرة، فأعطى المقيم حذائه ومركوبه لمن نوى الهجرة وقرروا الاتجاه شرقاً صوب الشبردق (الأسلاك الشائكة) على الحدود المصرية-الليبية في شهر رمضان المبارك. وكان شيخنا في كوكبة تتكون من 85 فارساً ومعهم الزوايل، ولم يذوقوا طعاماً أو ماءً لمدة خمسة أيام، وكاد العطش أن يفتك بهم وبهائمهم. فقد سقط اثنان منهم موتى نتيجة الظمأ في الطريق. حينها أيقن إمام الركب، الفقيه بوزينوبة، أن لا ملجأ ولا مفر من اللجوء إلى الله تعالى، فصلى بهم صلاة الاستسقاء لكي يُنجدهم فوراً حيث وصل حالهم إلى ما لا يتحمله إنسان ولا حيوان. ويقول الشيخ سعيد: "كنت أسمع بالكرامات حتى رأيتها في ذاك اليوم، وما هي إلا دقائق حتى جاءنا الغيث وأمطرت السماء، وكأنها تبكي حالنا، فشربنا وشرب الحيوانات. وقام الفقيه محمد بوزينوبة العبيدي فينا واعظاً فقال: لعل قدرنا أن نقتل على هذه الأرض ولا نصل مصر، فإذا ما ظفر بنا النصارى سينكّلون بنا، فاستعدوا يا رجال للموت. وأمر كل اثنين منا أن يغسلا بعضهما البعض كغسل الأموات. وبالفعل فعلنا ذلك حيث نظفنا أنفسنا وتلك اللحى التي وصلت السرة، والأظافر والشعر الذي أصبحت عائقاً لنا". وبعد ذلك التنعش، يقول الشيخ سعيد: "صلى بنا الشيخ بوزينوبة صلاة الجنازة على أرواحنا، لكي نكون قد بالفعل أتممنا ما علينا، والآن كلنا استعداد لساعة الحسم وملقاة الله تعالى على طُهر ويقين به سبحانه. ومن ثم ودّع بعضنا البعض، فتعانق رفاق الدرب وجند الإسلام عناق الوداع، الذي ربما لا لقاء بعده إلا في الجنة، وكم سالت من دموع لفراق الأحبة وللقاء أحبة أُخر سبقونا إلى فردوس أعلى." 

وواصل ركب الاستشهاد طريقه إلى الشبردق فوجدوا امرأة وابنها من قبيلة العوّامة، وما أدراك ما العوّامة الأبطال، هائمين على وجهيهما في تلك الصحراء، فالتقطوهما واستمروا في رحلتهم. ومن الأدوات التي بعثها لهم اخوتهم المرابطون في مصر لقص تلك الأسلاك الوحشية مقصاً واحداً يحمله المجاهد عبد المولى الحويطي البرعصي. وعندما وصل الركب إلى الأسلاك مسك الشيخ سعيد إحدى ذراعي ذلك المقص والمجاهد عبد المولى الأخرى وشرعا بقص تلك الأسلاك، وما هي إلا دقائق حتى علم الطليان بهما، فسلطت عليهم الأضواء الكاشفة وهاجمهم حرس الحدود ولكن الفرسان كانوا لهم بالمرصاد، وبالفعل تمكنوا من صدهم بعد تحصنهم بالإبل، واستمر صاحبي المقص في مهمتهما رغم تطاير الرصاص من حولهم كالقلية على النار، وبفضل الله تعالى نجحا في فتح ثغرة في تلك الأسلاك الغليظة، وسرعان ما فاز كل من عبد الهادي بوجزينه العبيدي وعبد الطيف العوامي بالشهادة وقبض على بوصليل العبيدي، وقتلت معظم إبلهم وخيولهم، وفي تلك الليلة الدامسة استطاع قرابة 75 مجاهد من الدخول إلى مصر من بينهم خمسة جرحى وتلك المرأة وولدها(9). 

كانت حالتهم لا توصف، حيث الأجساد المنهكة من الجوع والعطش، والمشلحة من السواتر، والمقطعة من الأسلاك في حالة يرثى لهم.

وفي الصباح الباكر وصل المجاهدون نجعاً لقبيلة الجرارة في الجانب المصري على الحدود، فأكرموا وفادتهم، وكانت الحالة حالة صيام، وسرعان ما قبضت عليهم السلطات المصرية التي أرادت مصادرة سلاحهم، وبعدها بعثت الحكومة المصرية وفداً للتفاوض مع المجاهدين المسلحين، وبعد تدخل الشيخ خليل السنيني في السلوم – أحد شيوخ قبيلة أولاد علي الذي كان له الفضل في معاونة المجاهدين والمهاجرين الليبيين – وعلى ضمانته سلّم المجاهدون سلاحهم وتفرقوا في مجموعات صغيرة تتكون كل واحدة منها من سبعة رجال. 

واتجه الشيخ سعيد إلى عمه شعيب عبدا لجليل المقيم في سيدي براني للعيش معه. وكان حينها عمه في رحلة إلى واحة سيوة على ناقتين له، ولكن الفقر والعوز كانا في انتظار هؤلاء الأبطال. وبعدها اضطر شيخنا للاتجاه إلى البحيرة للبحث عن لقمة العيش، وقضى قرابة العام يشتغل عاملاً عند الفلاحين الفقراء بأجر زهيد لا يزيد عن خمسة تعريفات يومياً. 

زادت قسوة العيش من تصميمهم على البقاء لكي تعود لهم الكرّة والانتقام من إيطاليا التي لم ينسوا فظائعها في أرضهم. وبالفعل هاجر كل من الشيخ سعيد وأعمامه كل من علي وعبدالونيس عبدا لجليل ومعهم رفاق الجهاد أمثال عيسى النفاقة وسعد ارحومة الرقيعي وحمد بن شعيب المغربي وعبد الله الفيل العرفي ومحمد الغايش(10) العرفي بتزكية من رجل ليبي يُدعى يادم غيث العرفي الذي كان حينها يعمل في البنك العربي، واستطاع أن يؤمّن لهم عملاً في مزرعة أحد أثرياء القدس يُدعى سعيد درويش. وبالفعل هاجر هؤلاء الرجال جميعهم إلى فلسطين، وشرعوا في العمل كخفر في مزارع الزيتون التي يملكها درويش. وكما يقول الشيخ سعيد: "لقد تغيرت أحوالنا وظروفنا المالية وتحسنت، وأصبحت علاقتنا مع صاحب المزرعة ممتازة لا سيما بعدما تصدينا للسطو المسلح على أملاك الرجل، وكدنا أن نُقتل جميعاً، ولكن بفضله تعالى وخبرتنا في الجهاد وتحمل المشاق استطعنا أن نردّ كيد اللصوص إلى نحورهم وأن نفوز بثقة الناس حتى ذاع صيتنا بين إخواننا في فلسطين، وساهمنا في قتال العصابات اليهودية أنا وعشرات من رفاقي الليبيين، ونتيجة لذلك قابلنا الشهيد عبد القادر الحسيني قائد المقاومة الفلسطينية وبقينا في فلسطين لمدة سنتين، ولكن سرعان ما اضطرنا الإنجليز لمغادرة فلسطين السليبة إلى الرجوع إلى مصر لتنفتح جروحنا مع إيطاليا التي لم تندمل بعد(11)." 
عقد الليبيون العزم على تكوين جيش - الذي أصبح فيما بعد نواة الجيش الليبي – وسمى بالقوة العربية الليبية لتعمل جنباً إلى جنب مع الفيلق الثامن الإنجليزي. وكان للشيخ سعيد جربوع دور متميز، حيث قام بتجنيد أبناء عمومته في صفوف العسكر، فبلغ من جندهم الشيخ سعيد قرابة 300 جندي وعشر ضباط من قبيلة العبيد فقط. وبالفعل قاتل هؤلاء البواسل قتال الأبطال للانتقام من إيطاليا وحليفتها ألمانيا ودخلوا ليبيا ظافرين سنة 1943. 

إلى جانب شهرة وجاهة الشيخ سعيد جربوع الاجتماعية وبين قبائل برقة على وجه الخصوص، وما عرف عنه من شجاعة ورجاحة عقل وفصاحة بدوية وقبول الأمر الذي أهّله للتوسط بين القبائل لحل النزاعات وتسوية الخلافات بينها، وليلعب دوراً بارزاً في تاريخ ليبيا السياسي، فعُين بموجب ذلك عضواً في مجلس الشيوخ الذي ترأسه أحد قادة الجهاد وهو الشيخ عبد الحميد العبار. 

وللتاريخ فأن للشيخ سعيد من الأولاد كل من محمد ورجب وعبد السلام وعبد القادر وأبوبكر وإبراهيم، وخمس بنات وهن رجعة وحليمة ومرضية ونجوى ومستورة.
نحن كلنا يقين أنه ليس هناك آنس ولا ألطف من الحديث مع من نعشق .. وعمّن نقدر ونُجلّ .. فحديث التاريخ لا يمل .. ولا يزال عندنا الكثير ليقال عن المجاهدين والأعلام .. وهذا ما سيكون بإذنه تعالى في لقاءات قادمة. 
________________________________________________

(1)
هذا ملخص مقابلة طويلة دامت اكثر من ثلاث ساعات أجريتها مع الشيخ سعيد جربوع مساء يوم السبت الموافق 23 أغسطس 2003. نشرته جريدة العرب - لندن - يوم الأربعاء 10مارس 2004م، ونشرت في كتاب "تراجم ومقالات ليبية" للمؤلف. 
(2)
البرغثي، د. يوسف سالم - حركة المقاومة الوطنية بالجبل الأخضر 1927-1932م صـ 269.
(3)
نفس المصدر.
(4)
العوكلي، عبد العالي بوعجيلة - "عبد الجليل سويكر العبيدي"، أخبار بنغازي - 30 نوفمبر 2003م.
(5)
البربار، د. عقيل – عمر المختار صـ 27، 30، 41، 45، 50.
(6)
العوكلي – "يوم الرحيبة"، أخبار القبة 25 الربيع 1430م.
(7)
البرعثي – ا



الشاعر يونس الجالي يحيى

الشاعر يونس الجالي يحيى 

بعد عودته من المهجر واطلاعه على ساحة العقيرة جنوب البيضاء والتى شهدت موقعه العقيرة مع العدو الغاشم حيث امطرهم بوابل من قنابل طائراته الفاشية واغلبهم من بني قبيله عائلة مفتاح 

بعد غيابهم جيت للـــــــدار وكبرن علي الفـــــجاوي
القيت بومها فوق لبـــــيار ايغرد غريد لمهـــــــاوي
والقيت الذرا ومكبر الــنار وعوين دار كـــــــــداوي
والقيت نضدهم كيف لا ثار اللي لتواريخ ثــــــــاوي
له زمان ما جوه زيــــــــار ولا نجع دايــــــر زداوي
بنايين لبيوت لكـــــــــــــبار دار كل جائع اجـــــــلاوي
وحاضرين في حرب لنصار ما ودروا من فجــــــاوي
وامحاربين في حرب لدوار علي خيل قدّر مقــــــاوي
ابوادي نوامس او تجـــــار ماهم اقصار الخـــــطاوي
وينما جفاهم لوكـــــــــــــار رقيوا امقبل سمــــــــاوي
على وطن مرشوم بامطــار ربيعه رايده جــا ايهـــاوي
فيه القطا وريم لوعـــار بو غريم طير النــــــــــــــداوي
ولااتقول فايام لشـــــكار انزلوا وادياً بو حنــــــــــــاوي
وشربوا علي بو العيزار وعالعين والمـــــــــــــال زاوي
وكل ذود له هلا حضــار بعد امداعكة بـــــــــــات راوي
ولها وصف من قولقدار اقصور موش بانيهن اسطاوي
ولقحها كيف لعشـــــــار وفيها غليظ الربـــــــــــــاوي
ازرق وعنده اســــتوبار وامكمل جميع الشــــــــــهاوي
ويلم لم ويلم لحـــــــوار واللي امطرقه بالتســــــاوي
وامعاها عواويل جسـار ايخشوبها فالخـــــــــــــــــلاوي
لباسين للدقر لقصـــــار اللي يستحوا من الـــــدواوي
الواحد ايداري عالعــار وحاسب احساب الهـــــــزاوي
علي نجع ملفا الخــطار عقاب ليل عــــــوج الغـــــاوي
وحاشت وهدر الهـــدار اللي متقلي نين طـــــــــــاوي
العب حشوها دار دودار وجت لاعبه ريد حــــــــــــاوي
كيف الثلب كيف لبكـــار اقفول حادره من عـــــــــلاوي
انسا يبرمن فوق من طار علي من يقــــيم العـــــــــزاوي
وفالصبح جنها بلا مــــار حــــــلاباتها بالشكـــــــــاوي
ابفال سمح فالصبح ابشار لاكشمــــــته لا دعــــــــــاوي
اوهش المواخير تيــــار حليبها امسوى رغـــــــــاوي
ما يسدهم غير لغــــــرار اللي مالوكــــال العفــــــاوي
ونا شرفت لجيت لانظار ما قابلــــــوا في جــــــــلاوي
نباهم ابقي غير تذكـــار يحكــــي عليهم الــــــــــراوي
مكاتيب هذا اللي صار ميمولــــــها للفنــــــــــــــــاوي
ياما مشن بي لفكــــار رديت والعقــــــل شــــــــــاوي
وادموعي عالخد قطار كما دمـــع قزون فــــــــــــاوي

..

الشاعر المرحوم يونس الجالي

الشاعر المرحوم يونس الجالي 

علم بمدينة سلوق بوفاة زعيم قبيلة العواقير الشيخ المرحوم عبدالسلام الكزه ببلاد الهجرة مصر الشقيقة وفي الحال ذهب الي مأتم العائلة ليقوم بواجب العزاء وهاله أن رآى حشداً كبيراًً من المعزيين ممن أحبوا الفقيد وتأثروا لفقده وقد خيم عليهم الوجوم تأثراً برحيله وفي الحال جاءت على لسانه خاطره رغم قصرها لها وقعها بين القوم وأبكت الحاضرين وهي 

ما إيخلــى مــركــاز من طيــــر ولالسم عمره تـــــــــــوارى
حتــى لــو يسيــرمـا يسيــــــــر ديمـــــه عليهـــــم الشــاره

الشاعر محمد بوشناني

الشاعر محمد بوشناني



رواية : عمر بو عثمان
بعد ان سمع المرحوم الشاعر محمد بوشناني قصيدة الشاعر يونس الجالي في رثاء شهدة عقيرة الخبيز المشهورة فتاثر بها فرد عليه الشاعر محمد بوشناني وهو بالمهجر:

اسمعتك طريت المــــــواهيم اولوريت شاغلات بالي
من قنــانا للمســــــــــــــيليم لاعند كوز الرمــــــالـي
اوقور اجحف والخـــــراريم عليهن إيصحن أقوالي
اولسباط فيهن مهاشــــــــيم ذرا امباتن في ليــــالي
اللي اليوم خاليات من الريم امسوتهات يابوالجالي
لانجع عز المعــــــــــــــازيم ذرا كل جيعـــان جالي
اولقفول جنة محــــــــــازيم شايلات من كل غــالي
اتقول راقي في ســـلاليم مع نقب مشهور عــالي
في امناة سود المقاســيم وناسه للفجوج الخوالي
امنين ايعيطوا فيه بالغيم امنين تم بارقا ايشـــالي
متواسي كما نبت برسيم في مالهم بــاب فـــــادي

الشاعر حمد بو أهليل ( بو زينب )

الشاعر حمد بو أهليل ( بو زينب )

رأى المرحوم الشاعر حمد بو أهليل ( بو زينب ) أن الاستعمار البغيض قد طغى على كل مناحي الحياه من شجر وحجر وبشر فغاب عن شاعرنا ما كان يحلو له من فرسان وفروسيه وأضحت البلاد بين مقبور وأسير ومطارد ومهاجر ألى البلدان المجاورة فأنشد يقول :

ما من بيت وسيع مداره تحت نصاره لكن حكم الله أو داره
ما من بيت أقصرنا عنه باهي للضــايف والجيره
هل عــــيل بنداق امعنه لحّم وين ســفا القصيره
هل نــــاقه ديمه منطنه هل سيمه ع الخد شهيره
هل فزعه ماهي منخنه هل قصعه للضيف كبيره
غابوا ركـــابة لحصنه فــزاعيين أنقالوا دييره 
فاقدهم ما عـــاد انظنه يطالق هو والتكــــديره 
واحنا زاد أبشي ما بنّا قوم فقاره جيران أيمينه وإيســاره

الشاعر حمد اهليل بو زينب والشاعر حمد لنقروط

الشاعر حمد اهليل بو زينب والشاعر حمد لنقروط 

كان في زمن هجرة اليبيين بمصر الشقيقة أبان الغزو الإيطالي البغيض ومن ضمنهم الشاعر حمد اهليل بو زينب والشاعر حمد لنقروط وكانت اقامتهما بواحة سيوه المعروفه و راى الشاعر بوزينب ان يصعد الى واحات الدواخل كما يسمونها مع بعض اقربائه الذين نصحوه بذلك وبدوره نصح جاره وصديقه لنقروط ان يرحل معه فرفض الاخير الفكره ومكث بسيوه فأرسل له بوزينب بعد سفره قائلاً : 

هابا لو دام الطلياني راك اتعاني واحل فيه خبوراصلاني
الصقر ارقي لافوق وحام ارسي غيـــــــــر البوم الوكار
الهجه هي صنعة لســلام ان جا براني مي حق تلاعب لديـــــــــاني

فأثار حفيظة صاحبه( لنقروط) الذي شعرَ بأن بوزينب يتهمه بالخنوع و رغبة العودة الى جور الاستعمار وإدارته العميلة التي اغرت الخانعين بالوطن المحتل بأعطائهم بعض من الشياه وشيً من الغلال لعلفها والتقوت بها حين العودة فرد عليه الشاعر لنقروط قائلاً : 

تعال هانا يا حمــــــــــــــد نحكيلك بلا قبيتك صالب بطولة ليــــــلك
جونا تريساً مـــــــن عقاب رحيلك ضمار ما فيـــــــهم ولا مصراني
والله ما انماين تحـــت مــالطلياني وتبقى اسلاميتي خبــــر لقانــــي 
تحت بو برطــــــــــــــــــــــلاّ وتبقى اسلاميتي بالغلم والغــــــلاّ
وهي كل بقعه امقابله وجه الله وسلم بنات القوت هن جنحــــــــاني
الضمر للطرقيـــــــــــــــــــه والبدن للي امسلمه الحويـــــــــــــه
كبر البطون كان فنطازيــــــه عليك بالبغوله والحمار الخانـــــــي
الضمر موش نقابـــــــــــــــه والبدن كار شراب للبن وأكلابـــــــه
واصحى من تسليم البنادق جابا وانكنتوا اجواد اتفسروا المعانــــــي 
والمرتد راه في جهنم قــــابــا هضا بيش ماعرفني الله وعطانـــــي
والله ما انماين تحت من الطلياني وتبقى اسلاميتي خبر لقــــــــــاني

الشاعر حمد لنقروط الاسودي

الشاعر حمد لنقروط الاسودي 

بينما والشاعر حمد لنقروط الاسودي يعاني كغيره من ويلات الغربه بعد ان اضطرتهم الظروف المعيشية ان يهاجروا الي إحدى دول الجوار (مصر) وغابت عنه معايش بلاده التي رغم عسرها يسعد بها وحلت محلها ظروف الفقر والعوز عندها انشد يقول:
ايامن ورقاب البـل عـوج بها خشينا كــل اوطـــان
مشيـنا من برقه الهروج من غير خبير عا لنعتـان
ابساط امظلم كيف الموج ازرق تفصيله بالـــوديان
خلينا من هـــالطهبــــوج الله يرحم جدك مرجــــان
بلا قــــــيبتنا قــــــــارقوز مضاحك لفـــــلانه وفلان
وعامل نفسك صقر ايفوج ونحنا بوم بـــــلا جنحـان
الشايب لاشـــــــال العكوز سواياه اثقـــــــال الميزان
ما عنــــــــدا فالــدنيا روز امفيت السبحه والصمتان

الشاعر المرحوم ابراهيم الهرام

الشاعر المرحوم ابراهيم الهرام 

يصف الشاعر المرحوم ابراهيم الهرام عمر الحالة التي هم فيها انذاك الوقت في مهجرهم بمصر ويقارن بماكان يعتاده بموطنه الاول وفاجاته نساء المهجر بالبسه ومواصفات تختلف عن بنات موطنه فقال حسب رواية الحاج عمر بوعثمان الابيات التالية :

ماعمرنا رينا غلم تصايح اولا نجع متقادي دلال الذايـــــح
اولا افطام شتاوى اولا در واجد مومغير امساوى
ألاماخبيزة يابسه في طاوى حدورها امويه من شراب صفايح
اولا افطام ضناها اولا يوم درتها اروي من جـاها
ياما برمتن بقداحه يالاها اللي اليوم تميتن امغير ذوايــح

فرد عليه ابن عمه الشاعر مرتضي بوخليل:
لارغات ايزرن ايجنها صبايا في حريــــر ايكرن
اتحير كيف اتخلطهن اتقول ايورن ابعصب اورواقي دايرات وشايح

الخيول الاصيلة فى ليبيا

الخيول الاصيلة فى ليبيا 


بقلم : ميكائيل الحبوني

يقول علماء الحيوان : أن الجياد الأولى تعود إلى حوالي 50 مليون سنه أي ما يعرف بالعصر الأيوسيني . والظاهر أن الأجداد الأولى للخيل كانت تختلف كثيراً عما هي عليه الآن . يقول علماء الجيولوجيا :

كانت الخيل الأولى ذات قائمتين أماميتين في كل منهما أربع أصابع وقائمتين خلفيتين في كل منهما ثلاث أصابع وكانت مقوسة الظهر وهي أعلى من مؤخرتها ، قصيرة من الأمام . وقد تطور شكلها عبر ملايين السنيين إلى الشكل التي عليه اليوم وتحفظ لنا الحفريات الجيولوجية قصة تطور الحصان بالتفصيل .

أما البدوي الليبي الذي ورث تربية الخيول عن أجداده بالوراثة فأنه لا يعرف هذه القصة . وقد لا يصدق أن الحصان كان حجمه كالماعز .

والتاريخ يحدثنا عن الخيول الليبية وعراقتها . فقد غزى القائد القرطاجي هانيبال روما حيث صحت على وقع أقدام سنابل خيله تحت أسوار مدينة التلال السبعة روما . وكانت هذه الفرق من الخيالة الليبيين .

ففي سنة 218 ق . م خرج هانيبال من قرطاجنه على رأس جيش قوامه 90 ألف من المشاة ، 12 ألف من الفرسان و37 فيلاً وكان عمره آنذاك 27 عاماً . وقد عبر القائد الليبي جبال الألب وسجل له التاريخ بأنه أول قائد ينفصل بجيش كامل عن وطنه .

حاصر روما ولم يستطع احتلالها ، بعد أكثر من ألفي سنة يظهر الرومان مرة أخرى لكن هذه المرة تحت أسوار مدينة بنغازي وطرابلس وكأن الثأر لا يزال يعشعش في عقيلة الرجل الأوربي . ومرة أخرى يعود الحصان إلى مسرح التاريخ . البدوي الليبي على صهوة جواده يشعر بأنه على أعلى قمة في العالم . تنادي الجميع ودب الخبر في نجوع البادية فالتمت آلاف الخيول وآلاف الشباب وانتظموا للجهاد وكأن هانيبال قام في القوم ونادى . روما تطاردكم ويركب عمر المختار صهوة فرسه البيضاء ويبدأ الكر والفر وتقتحم الخيول الليبية معسكرات الطليان . خيلاً لم تكن للزينة ولا لسباق الحلبات والمضاربة ولا للزينة والتباهي خيلاً أحبها الليبيون فتباهوا بركوبها وتفننوا في تأصيلها وصفوها في شعرهم وذكروا دقائقها .

وفي هذا الوصف الرائع للحصان كيف استطاع الشاعر أن يصفه وصفاً ربما فاق أمرؤ القيس الشاعر الجاهلي في وصفه لحصانه فإذا كان أمرؤ القيس يقول :

له أيطلا ظبيٍّ وساقـــا نعامـة - وإرخاء سرحان وتقريبُ تتفلِ

كأن على المتنين منه إذا انتحى - مداك عروس أو صلاية حنظل

فأنا شاعراً بدوياً هو المرحوم " خالد أرميلة الفاخري " يصف الحصان الذي يجب أن يدخل به المعركة بهذا الوصف :

يجوها علي كل مكروم – مع أمه أمكمل أسنانهْ

حولين ماهوش مفطوم – آكبر آمعاه تغضيب جانهْ

له ثلاث خرفان مجلوم – رباع عنصلة كشتوانهْ

يجالب كما موج ديموم – مساره أوقات أضولانهْ

على صفحته دق شيلوم – يشيل م الوطاه اخثقانهْ

لذيذ ف القدم حلو مقيوم – شبعان م الذهب بالوزانهْ

غزير النصي كوت مكعوم – متخايل نباتة أجنانهْ

بعيد م الوطا شبهة الكوم – رفيع شوف ناقص اقيانهْ

خضر لون يزراق بحموم – دخان نو ثابن غصانهْ

وع الشوكة بعد صار مجموم – خماس قبل سن اقرحانهْ

ذراع نمر تلقاه مرشوم – يبدل لبوسة ألوانه ...

القصيدة طويلة ولا يتسع المجال لسردها كاملة ولا لشرحها أيضاً وقد أخذنا ماله علاقة بوصف الحصان . وكعادة شعراء الجاهلية فإن الشاعر يذكر ذلك مقدمة لموضوعه الأصلي وهو التحريض والاستعداد لاستعادة إبله المسروقة . وشاعرنا " أحمد أرميله " شاعر وفارس ومجاهد شارك في الجهاد الليبي واعتقلته القوات الإيطالية أكثر من مره . مات سنة 1938 ف . بمنطقة سلوق .

لقد أقسم الله تعالى بالخيل في كثير من المواضيع القرآنية قالى تعالى [ والعاديات ضبحاً ]. صدقة الله العظيم } سورة العاديات ، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة فإذا رأيتموها فامسحوا على وجوهها وادعوا لها بالبركة ) .

وإذا كانت الخيل تكتسب هذا التقدير الديني . فأن الإنسان الليبي قد حمل في نفسه عبر العصور نوعاً من القدسية للخيل ويتضح ذلك جلياً في ثقافته الشعبية السائده في مجتمعه وفي موروثه الثقافي ومن ذلك قولهم ( أكحيلا والفارس والخيل ، وزرع السيل ، بلاهن نوم العين قليل ) وأكحيلا هي الإبل .

وينسب إلى غومة المحمودي المتمرد على الحكم التركي أنه سئل عن صفات الجواد الأصيل فقال : تجتمع في الجواد الأصيل صفات من حيوانات مختلفة ، ففيه من البقر والغزال والذئب والأرنب والديك والزرافة والجمل ، ثم فصلها .

من الغزال دقة ساقه وسرعة لحاقه ، ومن البقر قصرة القين وندرة العين ، ومن الأرنب قصر الظهر ورقة الوبر ، ومن الذئب سرعة الحذر ولفت النظر ، ومن الديك رفعة الشوف وكثرة الخوف ، ومن الزرافة طول أرقابهن قدام أركابهن ، ومن الجمل شدة أعزومه وينما أنلومه .

ويتضح من تلك الأوصاف التي ساقها " غومه المحمودي " مدى معرفته الدقيقة بالخيول وهي نتاج ثقافة مجتمع بأسره .

الخيول الليبية : وجدت الخيول في ليبيا في وقت متأخر نسبياً . فقد ظهرت القبائل الليبية المجاورة لمصر في القرنيين الثاني عشر والثالث عشر ق . م ، في عهد الفرعون " منفتاح ورمسيس الثالث " ظهرت في النقوش الهيروغليفية مع خيولها ويقول " باتيس " مهر الليبيون في تدريب الخيل حتى باتت تطيع أصحابها كل الطاعة وكانوا يركبونها دون لجام ودون سروج .

ومن أشهر القبائل التي تربي الخيول قبيلة ( الأسيوستاى ) في سهول الجبل الأخضر وتوصف بالعدو السريع والقدرة على التحمل وتقول السيدة " جين هرسون " في كتابها عن الأساطير : وجدت لوحة تبين أول استيراد للخيول في جزيرة كريت وعلى أفواه هذه الخيول لجم . وهي عادة لم تكن معروفة عند الآسيويين ولا الأوروبيين بل كانت عند الليبيين فقط فهم أول من أستعمل اللجم للخيل . ومن المعروف أن وفداً من مدينة شحات " قورينا " قد توجه إلى بلاثونيوم مطروح حالياً ليقدم ولاءه وهداياه إلى الاسكندر المقدوني في رحلته إلى معيد آموف في سيوه وكان من بين الهدايا ثلاثمائة جواد ليبي أصيل .

وإذا كانت الخيول تشكل هذا الإرث الكبير الممتد عبر أعماق التاريخ في نفسية الإنسان الليبي فلابد أنه قد أنتج أدباً يعكس ذلك الموروث . فماذا عن الموروثات الشعبية والخيل .

يقولون : أن شبت الإبل أهرب وأن شبت الخيل اضرب ويعني أن الإبل ترى من بعيد أما الخيل فلا تلتفت إلا للقريب ومن أمثلتهم . هذا حصانك وهذه السدرة .

للتحدي واثبات الأمر . ويروى أن فارساً سئل أيهما أفضل الفرس أم الحصان فآجاب الراحة في الفرس والهمة في الحصان والأمثلة الشعبية التي تعكس الخيول في الموروث الشعبي كثيرة منها اللي مي فرس بوك اتوقعك ، أسملى ع الخيل من ركابة السو . وفلان يبيها حمره وجراية وما تأكل فالشعير . وهذا للأمر السهل . وسئل البغل عن أبيه فأجاب خالي الحصان .

وكثير من الأقوال الشعبية التي وردت حول هذا المخلوق العجيب حتى أن بعض المربيين إذا مات حصانه دفنه وأقام عليه العزاء .

غير أن الشعر الشعبي يبقى أكثر عناصر الثقافة الشعبية لمكانته في نفسية الإنسان الليبي عبر العصور لذلك نجد القصائد الكثيرة التي تمتدح الحصان وهذه أبيات من قصيدة للشاعر " بواسليم الشلوي " من فحول الشعراء يصف فيها حصاناً كامل الأوصاف يقول :

ناظر الحصان اللى أدقول مرارة – بلون خضر غم أتسيرله تفتيحه

وفوقه احلاس يعجّبك نوارهْ – ادقول ريش بوعباب تارا شيحهْ

اركابهْ امفجّر ناقشه بيطارهْ – والدَّير والقلادهْ والخدود سطيحهْ

وين ما اركب سيدهْ عليه وسارهْ – أتحقّه أتقول أيموج في درجيحهْ

مع جمته ترعي هميت اعذارهْ – اتقول طرف شلاّيهْ أوقات مديحهْ

وِن لمْسهْ رقيق الشّفر شاطت نارهْ – يقعد إيرابي فالوطا ابرديحهْ

وين ما تكسَّل وانعدل مشوارهْ – رقَّص انعال ايديهْ ب امفاتيحهْ

وبهذه الأبيات نكون قد وضحنا هذا الترابط الميثولوجي والتاريخي بين الإنسان الليبي والجواد . الجواد الذي وصف به الشاعر في مشهده ووقفته وجماله حبيبته حين يقول انتي شوفك شوف أمنعّل ، خَمَاس امتِل – اربط في ظِل - بين سلاسل – عليه اسمل – ويش تخايل - تنفَّض تل - أبهن بالكل ، اقند خلاهن وين صهل ، انتي شوفك .


 كاتب وباحث في التراث
  
المصدر:

المجلة الجامعية للثقافة و العلوم . تصدر فصلية عن جامعة عمر المختار