27‏/05‏/2013

نماذج من المؤلفات الإيطالية حول ليبيا



نماذج من المؤلفات الإيطالية حول ليبيا
يبين دراسات تاريخية أو مواد للباحثين 1912- 2008


السيدات والسادة ،،،،
سأتحدث في هذه اللمحة السريعة الموجزة والتي آثرت إعدادها مكتوبة باللغة العربية عن نماذج من المؤلفات الإيطالية حول ليبيا منذ بدايات الغزو وحتى وقتنا الحاضر، مقتصراً على ما يمكن أن يدخل ضمن نطاق الدراسات التاريخية وما يمكن أن يكون مادة للباحث.
البداية فيما رأيت – كانت في حرص إيطاليا على معرفة البلد الذي قررت استعماره، وكيفية التعامل مع أهله وزعاماته، خاصة أن المهمة التي أقدمت عليها لم تكن بالسهولة التي توقعتها، فالمقاومة كانت شديدة، والانتكاسات، المفاجئة والمتكررة، أثارث الشكوك حول جدوى الخطط التي أعدتها مسبقاً من أجل إتمام عملية احتلال . ومن ثم نرى البدايات الأولى في سنة 1912، حيث نقرأ في وثائق أرشيف الدولة المركزي وأرشيف وزارة الخارجية : الضغط المتكرر والشديد من الحكومة المركزية على المسئولين في ليبيا، من أجل تزويدها بمعلومات عن الزعماء وعن السكان ، ونقرأ في المقابل عبر تقارير من المسئولين في ليبيا معدة في هذا السياق، معلومات عن الزعماء وما يمثلونه ضمن مناطق نفوذهم، وتقويما لإمكانيات كل زعيم فيهم، ومدى أهميته، والمبلغ المخصص له ،وفقاً لمكانته ،مقابل الاستفادة من خدماته.

ونشرت دراسات عن السكان في إطار هذه الموضوعات، في تلك الفترة : مثل كتاب الدو ماي Aldo Mei ساكنو برقةGli abitanti della cirenaica الذي طبع في روما سنة 1914، وكتاب إسماعيل كمالي، ساكنو طرابلس الغرب Gli abitanti della Tripolitania الذي طبع في طرابلس سنة 1916 و هي كتابات تعريفية مختصرة ومبنية ، فيما يبدو، على دراسات مكتبية واتصالات محدودة، فهي إلى حد كبير تآليف فردية
تلا هذه الأعمال التمهيدية العمل الذي قام به وأشرف عليه وقاده أنريكو دي أغوسطيني Enrico deAgostini، سكان طرابلس Popolazione della Tripolitania الذي طبع في طرابلس سنة 1917، وسكان برقة Popolazione della Cirenaica الذي طبع هو الآخر في طرابلس سنة 1923.
كان عمل أغوسطيني عملا كبيرا، عمل فريق Team work وعملا ميدانيا Field work ، وفَّرَتْ له الدولة الإمكانيات الكبيرة، فأجرى الاتصالات وجمع المعلومات وأعد الخرائط المتعلقة بالعائلات والقبائل وأماكن انتشارها. ولكن كأي عمل في ذلك الحجم وبذلك البعد لم يخل من أخطاء في المعلومات والأسماء. ورغم ذلك فإنه من أهم المراجع التي استفاد منه الباحثون والدارسون في مراحل لاحقة. حتى من الذين قاموا بدراسات حقلية ميدانية مثل Evans- Pritchard في كتابه الشهير سنوسي برقة The Senusi of Cirenaica ، طبعة أكسفورد سنة 1948. وربما يجدر التذكير هنا بأن معظم الذين كتبوا عن ليبيا من باحثين ليبيين وأجانب في مراحل لاحقة قد رجع إلى الدراسات الإيطالية واستفاد منها . إذن كان ما تقدم هو النموذج الأول والمبكر الذي رأيت البداية به .
النموذج الثاني الذي اخترت الحديث عنه والذي يعتبر مادة مهمة في الدراسات التاريخية : المذكرات التي كتبها ونشرها القادة العسكريون والساسة المحترفون ممن شاركوا في صناعة الأحداث. فالكثير من الجنرالات كتبوا بعيد الانتهاء من مهامهم، وذلك لإبراز الأدوار التي قاموا بها، وتبرير المواقف التي أتخذوها وأحيانا لتغطية الأخطاء التي وقعوا فيها : من هؤلاء ميزيتي Mezzetti و بونجوفاني Bongiovani وتيروتسي Teruzzi وغراتسياني Grazziani وغيرهم كثيرون . وربما يجيء غراسياني في الصدارة، فقد كتب الكثير مثل نحو فزان Verso il Fezzan طبعة طرابلس 1930 وإعادة احتلال فزان La reconquista del fezzan طبعة ميلانو سنة 1934 وبرقة المهدأة Cirenaica Pacificataa طبعة ميلانو 1932 والسلام الروماني في ليبيا Pace Romana in libia طبعة ميلانو 1937 وليبيا المحررة La libia Redenta طبعة نابولي سنة 1948، كتب عن الحملات العسكرية التي قادها أو أشرف عليها منذ البداية وحتى النهاية، عن علاقاته ومواقفه من الزعماء، وعن المعتقلات Campi di concentramento والمحاكم الطائرة Tribunali volanti ، والحد المسيج Reticalato confinario والقصف الجوي كما تحدت عن الإعدامات، وعن عمر المختار ومحاكمته وإعدامه،وعن قتل الحيوانات وإتلاف المزروعات الخ. ومعظم محتويات هذه الكتب موجودة في أوراق غراتسياتي في أرشيف الدولة المركزي .
ومن مذكرات السياسين يمكن الإشارة إلى كتاب رابكس: تأكيد السيادة الإيطالية على طرابلس الغرب Riaffimazi one della sovronita italiana in Tripolitania طبعة تاسيس سنة 1937 وهو الذي قاد المفاوضات مع الزعماء الطرابلسيين والمتعلقة بالقانون الأساسي والتي كانت مجرد تمويه لأن تأكيد السيادة الإيطالية كان الهدف منذ بداية الغزو وحتي إتمام الاحتلال . في هذا السياق يمكن ذكر مذكرات الكونت فولبي ، ولادة طرابلس الغرب من جديد Rnascita della Tripolitania La طبعة ميلانو 1926، وهو كتاب شامل جامع لولاية فولبي علي طرابلس الغرب لمدة أربع سنوت ، سبقت مجيء الفاشيست واستمرت سنوات في عهدهم . وهو الذي الذي بدأ إعادة الاحتلال . والكتاب بدأ بجغرافية البلاد وتاريخها وتحدث عن مواردها واقتصادها ومياهها والتعليم فيها والعمران والبني التحتية الخ ... ويعتبر مرجعاً هاماً للمؤرخ فيما يتعلق بخلفيات تلك الفترة من مختلف جوانبها .
النموذج الثالث من الدراسات نراه مجسماً في الآثار والأركيولوجيا والفرق العلمية المتكاملة وما أنجزته من بحوث ودراسات وما نراه علي الطبيعة من مدن تاريخية كاملة . وأترك الحديث عن هذا النموذج الهام للأستاذ سعيد حامد .
النموذج الرابع : يتمثل في عمل الأساتذة الأكاديميين الذين كتبوا بمنهجية علمية وبموضوعية وفي مقدمتهم كارلو جيليو Carlo Gilio في كتابه الطريقة السنوسية من أصولها الأولى وحتى هذا اليوم ، La confranternita senussita dalle sue origini ad oggi طبعة بادوفا سنة 1932 وقد لفت نظري في هذا العمل ما كتبه عن عمر المختار، وعن المقاومة التي نظمها عمر المختار، بطريقة تكاد تكون أسطورية . وما جاء حول هذا الموضوع في كتاب إيفانزبريتشارد وفي كتب أخرى غيرها إنما هو في جوهره تكرار لما ورد في كتاب كارلو جيليو .
وتحت هذا النموذج يمكن ذكر كتاب أتوري روسي E TTORI ROSSI تاريخ طرابلس وطرابلس الغرب La storia della Tripoli e della Tripolitania منذ الفتح الإسلامي وحتى سنة 1911 طبعة روما سنة 1968. وهو كتاب علمي أكاديمي يتناول فترة طويلة جداً ، ويبدو في ظاهره مسحاً شاملاً يقدم المعلومات المعرفية السريعة ولكن في واقع أمره إنما هو بحث علمي معمق كتب بكفاءة عالية من خلال النصوص العربية التراثية وأيضاً المخطوطات والوثائق في مختلف الأراشيف وكذلك من المخطوطات والممتلكات الثقافية الخاصة لدي بعض الأفراد والعائلات الطرابلسية .
كتب روسي كتابه بروية وتأن وأبقاه أكثر من ثلاثين عاماً تحت المراجعة والدرس ، وتوفي سنة 1955 بعد أن أكمله . وتكفلت الأستاذة ماريا ناللينو إحدي الشخصيات العلمية في معهد الشرق بروما ومحررة مجلة LORiente Moderno الشرق الحديث ، تكفلت بمراجعته وطبعه ضمن منشورات المعهد في سنة 1968 .
في فترة السبعينيات والثمانينيات وبعد أن هدأت العواطف فيما يتعلق بفترة الحكم الفاشيستي وانتهت مدة التحفظ القانونية على وثائق تلك الفترة، شهد هذا النوع من الدراسات، وأعني به الدراسات الأكاديمية ، إقبالاً شديداً من الأساتذة والباحثين والمتخصصين . وكانت الحصيلة مجموعة من الدراسات كأعمال بونو وراينيرو وجوليا وموزاتي ولابانكا وكريستى وغيرهم كثيرون ولا يتسع الوقت لاستعراض تلك الأعمال وتكفى الإشارة فقط الي كتاب عمر المختار وإعادة احتلال الفاشيست لليبيا OMAR al Mukhtare e la reconquista fascista من تأليف سنتاريلي وروشا ورانييرو وجوليا طبعة ميلانو سنة 1981 .
أنهي هذه المداخلة بالنموذج الخامس والأخير وهو عمل بحثي كبير وضخم مولته الحكومة الإيطالية إثر توقيع الإعلان المشترك Comunicato Congiunto في يوليه 1998 ، وجاء تنفيذه بطريقة محكمة ومبرمجة عبر معهد ISAO ومركز الدراسات التاريخية وبذل فيه الأستاذ لويدجي روسى والأستاذ محمد الطاهر الجراري جهوداً مضنية من أجل تحقيق أكبر فائدة علمية ممكنة من خلاله .
وقد تضمن مجموعة من الندوات العلمية في جزر المنفي الإيطالية شارك فيها نخبة من الأساتذة الليبيين والإيطاليين، واحتوي على برنامج تدريبي ومنح لتعليم اللغة الإيطالية، وفرق عمل في الأراشيف الإيطالية وأراشيف الدول ذات العلاقة من قبل الأساتذة والباحثين، إضافة إلى زيارات ميدانية للجزر وإقامة الندوات فيها وتفقد مراقد الليبيين هناك والاهتمام بها .
يوازي كل ذلك دراسـات بحثية ميدانية قام بهـا فريق ليبي من مركز الدراسات الليبية زار خلالها جميع المناطق الليبية ذات العـلاقة وأجـري المقابلات وجمع المعلومات والإحصائيات وكانت حصيلة تلك الأعمال المشتركة طبع تلك النـدوات في مجمـوعة من الكتب ، كمـا طبعت أعمـال ندوتين علميتين عقـدت أحـداهما في ماينـز بألمانيـا تحت عنوان : ليبيـا المعاصرة المصادر والدراسات التاريخية
Modern and contemporary Libya sources and historiographies ، طبعت في روما سنة 2003 والندوة الأخرى عقدت في روما تحت عنوان: ليبيا في تاريخ البحر الأبيض المتوسط Libia nella storia del mediterraneo وطبعت في روما سنة 2008 . كما طبع كتاب وثائقي عن المنفيين وآخر عن ليبيا في الكتب المدرسية الإيطالية . وطبعت ترجمات لبعض الكتب المصدرية من الإيطالية إلي العربية . وكانت المساهمات بالتساوي من الأساتذة في الجانبين وجميع البحوث ترجمت من الإيطالية إلي العربية وبالعكس ، ونشرت جميعها باللغتين في المجلدات التي احتوتها . فهناك جهود بذلت من الجميع وأسماء الباحثين والمؤلفين موجودة في تلك المنشورات ، وكذلك أسماء الذين اعتنوا بها وأشرفوا عليها حتي خرجت بالشكل والمستوي الذي اجتهدوا في الوصول إليه .
إنه عمل كبير ، وكبير جداً . ويعتبر في نظري النموذج الأمثل للتعاون العلمي كما يجب أن يكون .
والآن وبعد توقيع معاهدة الصداقة يصبح المجال مفتوحاً،وبدون حدود، لتعاون مثمر ومفيد بين المعاهد و الجامعات والمؤسسات العلمية في ليبيا وإيطاليا للقيام بأعمال جدية وهادفة ومبرمجة من شانها أن تملأ الفراغ الذي نعانيه في مجال البحث العلمي متفائلين خيراً أن تنال مثل تلك البرامج الرعاية والاهتمام والدعم من المسئولين في الدولتين .

أشكركم ،،، والسلام عليكم،،،


صلاح الدين حسن السوري
روما 2010.8.30




المركز الوطني للمحفوظات والدراسات التاريخية © 2010

ليست هناك تعليقات: