شعر الترجيب (ترقيص الأطفال)
أحمد الحوتي
يعد هذا الشعر من الأدب النسائي. تؤدي الأم هذه الأبيات أو الأغاني بأن تمسك الطفل من تحت إبطيه، وتقذفه إلى أعلى قليلا، بحيث يسقط بين يديها، فينشأ عن هذا نوع من الإيقاع النفسي والصوتي، الذي تغني عليه الأم أبياتها. والأم هي التي تقوم بتلحين هذه الأبيات، لتكتسب نغما موسيقيا متميزا. وقد تكون هي أيضاً مبدعة هذه الأغاني، أو تكون حافظة لها. منها ما يخص الذكور ومنها ما هو خاص بالبنات. ومن أمثلة ما يخص الذكور:
عونه من راعاه مْصَبّي نطلب ف الصلاح وربي
عونه من راعاه مْموّح لابس جرد ومسك يْفَوّح
بالخلة والعقد مْرَوّح م الشعل بدور مْرَبّي
عونه من راعاه مْحَدّر باني بيت ومال مْصدّر
يعزم ع الضايف ويقّدر والجيران حْذاه يْرَبّي
عونه من راعاه كبير راكب فوق حصان طرير
يمشي حاكم ع المودير يخْلص دين اللي متغبّي
وترتبط هذه الأبيات ارتباطا وثيقا بحياة الأم، وتمثل آمالها وتطلعاتها بالنسبة لولدها. وهذه الآمال والتطلعات تجدها متأثرة بالبيئة إلى حد بعيد، ومعبرة عن الجوانب النفسية والثقافية للأم، فهي تدعو ربها وتتوسل بالأولياء الصالحين أن تشاهد ابنها وقد ارتدى ملابس أنيقة، ورائحة الطيب تفوح منه، وتتمنى أن تراه محبوباً لفتاة جميلة، وترجو أن تراه ذا مال وكرم، يفيض على ضيوفه ومن حوله، وبما يجود به ربه عليه، ويسعدها أيضاً أن تراه فارساً يختال فوق جواده، له هيبة ومكانة، يدفع الظلم، ويفرج ضائقة المكروب. ولهذه الأبيات نظام خاص من حيث اتفاق واختلاف القافية، فهي واحدة في الأبيات الأول والثالث والخامس والسابع، ومختلفة في الثاني والرابع والسادس، فالاتفاق في الأعداد الفردية، والاختلاف في الأرقام الزوجية، ولكن الأبيات التي تختلف في القافية قائمة على نظام التصريع، الذي يعني اتفاق آخر الشطر الأول مع آخر الشطر الثاني. ونرجح أن يكون الأداء لكل شطر على حدة، مع تحريك الطفل إلى أعلى والتقاطه. ومن أمثلة هذا الشعر ما يختلف عن الأبيات السابقة في الشكل وربما أيضاً في طريقة الأداء:
ها يا ديه... ها يا ديه خطّم بحصانه شاريه
وذيله م العز مْحَنّيه وبنت الباشا غُويَت فيه
قالت نا بالله وبيه تْشيل مخدتها وتجيه
ها يا ديه... ها يا ديه
ما يركب غير شْبهات والله الكوت الولوالي
والله زرقه ام نْقيطات نقطتها ع الجبهة تْجي
جْيوبه مليان صْخيبات رهاين سمح الذرعاني
في هذه الأبيات تتصور الأم طفلها وقد أصبح يافعاً، تراه وقد امتطى صهوة جواده الثمين، وقد خضّب ذيله بالحناء من فرط حبه له، وتفاؤلاً بالخير والسعادة.. تتصوره وقد أصبح فتى أحلام فتاة جميلة، جاءته تخطب وده، وتتمثله أمامها وقد ركب أجود الخيل، كالفرس المنقطة، وفي جبينها غرة تجلب الحظ الحسن. ونلحظ أيضاً في هذه الأبيات اتفاقا في القافية في المقطع الأول، الذي ختم بصدر البيت الأول، وفي نفس الوقت نجد أبيات هذا المقطع قائمة على نظام التصريع، فتتفق نهايات الشطرات الأولى مع نهايات الشطرات الثانية، أي أنها مرتبطة جميعها بنهاية واحدة. وفي المقطع الثاني نجد أن البيت الأول له قافية خاصة، ويتحد البيتان الثاني والثالث في القافية والشطرات الأول من الأبيات الثلاثة متفقه في النهاية. وليس في المقطع تصريع. ونحس بأن إيقاع هذه الأبيات بوجه عام أسرع نسبيا إذا نظرنا إلى سابقتها. ويسعدنا أيضاً أن نقدم مثالاً لترجيب البنات أو ترقيص البنات:
يا بنتي ما جابوك عرب انتِ فجرة وساطيك طْرب
يا بنتي ما جابوك اخوان ولا جابك تركي رطّان
مسمح وين تْجي للضان بْجربي وكريشة تلهب
ويظهر في الأبيات السابقة فخر الأم بابنتها، فهي تراها كالتحفة التي صاغها مبدع. وتمثلها جميلة، وقد أقبلت نحو الغنم، تختال في ملابسها الزاهية، وقد بدأت الأبيات بقافية واحدة في صدر وعجز البيت الأول، ثم يأتي البيت الثاني بشطريه، والشطر الأول من البيت الثالث والأخير على قافية واحدة ومختلفة، ثم يأتي الشطر الثاني من البيت الأخير ليتفق في قافيته وقافية البيت الأول، ما يربط الأبيات من الناحية الشكلية قافية ووزنا. ونستطيع من خلال شعر النساء أن نرسم صورة للمرأة في مجتمعنا البدوي، فقد تبوأت المرأة في مجتمعنا الليبي مكانة رفيعة، رسخت فيها كثير من القيم والمبادئ والتقاليد الاجتماعية المتعارف عليها، فقد فرضت طبيعة الحياة على الرجل الابتعاد عن البيت أكثر الأوقات، ومن ثم وجدت الأم نفسها في موقع القيادة للأسرة. وهذا منح المرأة الحق في استقبال الضيوف في غياب الرجل وإكرامهم وسؤالهم عن مطلبهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق